صلاة النوافل المبتدأة في الاوقات الخمسة

⛔️ ‏ ‏السلام عليكم شيخنا الكريم

من جوار ضامن الجنان "عليه السلام" ندعو لكم ونزور بالنيابة عنكم، ونرجو منكم التفضل بالإجابة على سؤالنا التالي:

السؤال:‏ ‏أحيانا نوفق لزيارة الإمام عليه السلام بعد أداء صلاة ‏الصبح أو العصر فهل يجوز لنا أن نصلي صلاة الزيارة ‏على فتوى الشيخ يوسف العصفور ‏رضوان الله عليه؟

🛑 ‏الجواب: ‏الشيخ جعفر الشارقي:

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

‏أولا: نشكركم ‏كثيرا أخي الكريم على ذكركم لنا ودعائكم وزيارتكم عنا.

وثانيا: في الجواب على سؤالكم نقول:

‏🔵 إنكم تشيرون في سؤالكم إلى مسألة كراهة أو حرمة النوافل المستحبة (المبتدأة) في الأوقات الخمسة.

‏‏📌 فقد أفتى المشهور من فقهائنا السابقين بكراهة الابتداء والتبرع بالصلاة المستحبة في خمسة أوقات:

‏بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر وعند شروق الشمس وعند غروبها وعند الزوال.

‏والمقصود من الصلاة ‏المبتدأة هي ما يتبرع به الإنسان من تلقاء نفسه كصلاة ركعتين قربة إلى الله وصلاة ركعتين هدية للميت.

‏وأفتى بعض الفقهاء بالحرمة.

📌 كما اختلفوا في تحديد الصلاة المكروهة أو المحرمة في هذه الأوقات، وذهب أكثرهم إلى أنها الصلاة المبتدأة أي ‏التي يتبرع بها الإنسان من تلقاء نفسه ‏فقط دون بقية أفراد الصلاة.

‏🔵 وأما بالنسبة الى الشيخ يوسف البحراني “قدس سره” فقد استشكل في أصل المسألة واستقرب حمل الروايات الناهية – عن الصلاة في هذه الأوقات – برمتها على التقية، ‏ونتيجة ذلك هي القول بجواز الصلوات في كل الأوقات بلا ‏حرمة ولا كراهة، بل واستحبابها.

‏📌 ومع ذلك ‏وتغليبا لجانب الاحتياط فقد تعامل الشيخ "قدس سره" مع الروايات كما لو أنها ثابتة ويجب العمل بها واستنبط منها ما يلي:

‏📍 يحرم الإتيان بصلاة ‏مستحبة مبتدأة في الأوقات الخمسة.

‏📍 ويجوز الإتيان بأي صلاة غير مبتدأة ‏في كل الأوقات، مثل:

‏1- قضاء الصلوات الواجبة.

2- قضاء النوافل اليومية الراتبة .

3- صلاة الآيات.

4- صلاة الأموات.

5- صلاة الطواف ‏الواجب والمستحب.

6- الصلاة ذات السبب مثل صلاة تحية المسجد وصلاة الزيارة.

‏ولمن أراد التوسع في المسألة:

التالي هو ما كتبه صاحب الحدائق "قدس سره" في المسألة وفروعها:

⛔️ المسألة السابعة:

اتفق الأصحاب (رض) على كراهة النوافل في الأوقات الخمسة المشهورة في الجملة، وهي: عند طلوع الشمس حتى تذهب الحمرة وينتشر شعاعها، وعند غروبها أي حال دنوها من الغروب واصفرارها حتى يكمل الغروب بذهاب الحمرة المشرقية، وعند قيامها أي كونها في وسط النهار على دائرة نصف النهار حتى يتحقق الزوال بأحد أسبابه المتقدمة إلا يوم الجمعة فإن ظاهرهم الاتفاق على استثنائه كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وبعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.

    وإنما اختلفت كلمتهم في تخصيص النوافل المذكورة بالمبتدأة أو عمومها للقضاء وذوات الأسباب أو أحدهما دون الآخر على أقوال.

والمشهور تخصيص الكراهة بالنوافل المبتدأة، وهو المنقول عن الشيخ في المبسوط والاقتصاد وإليه ذهب المتأخرون.

وحكم في النهاية بكراهة النوافل أداء وقضاء عند الطلوع والغروب ولم يفرق بين ذي السبب وغيره.

    وفصل في الخلاف فقال في ما نهى عنه لأجل الوقت وهي المتعلقة بالشمس لا فرق فيه بين الصلوات والبلاد والأيام إلا يوم الجمعة فإنه يصلى عند قيامها النوافل، ثم قال وما نهي عنه لأجل الفعل وهي المتعلقة بالصلوات، إنما يكره ابتداء الصلاة فيه نافلة، فأما كل صلاة لها سبب فإنه لا بأس به.

    وجزم المفيد (قده) بكراهة النوافل المبتدأة وذات السبب عند الطلوع والغروب على ما نقله في المختلف، وظاهره في المقنعة التحريم، وقال إن من زار أحد المشاهد عند طلوع الشمس أو غروبها أخر الصلاة حتى تذهب حمرة الشمس عند طلوعها وصفرتها عند غروبه.

وإلى ما ذكره يرجع كلام الشيخ في النهاية.

وعن ابن أبي عقيل لا نافلة بعد طلوع الشمس إلى الزوال، ولا بعد العصر حتى يغيب القرص إلا يوم الجمعة، وقضاء فوائت السنن فإن القضاء مطلق بعد طلوع الشمس إلى الزوال وبعد العصر إلى أن تغيب الشم.

وقال ابن الجنيد ورد النهي عن رسول الله (ص) عن الابتداء بالصلاة عند طلوع الشمس وعند قيامها نصف النهار وعند غروبها، واباح الصلاة نصف النهار يوم الجمعة فقط.

وقال السيد المرتضى: ومما انفردت به الإمامية كراهة صلاة الضحى وإن التنفل بالصلاة بعد طلوع الشمس إلى وقت زوالها محرم إلا في يوم الجمعة خاصة.

وقال في أجوبة المسائل الناصرية حيث قال الناصر لا بأس بقضاء الفرائض عند طلوع الشمس وعند استوائها وعند غروبها. قال وهذا عندنا صحيح وعندنا أنه يجوز أن يصلى في الأوقات المنهى عن الصلاة فيها كل صلاة لها سبب متقدم وإنما لا يجوز أن يبتدأ فيها بالنوافل.

وصريح كلامي المرتضى (رض) هو التحريم في المبتدأة وهو ظاهر كلام ابن أبي عقيل وابن الجنيد.

والأصل في هذا الاختلاف هو اختلاف الأخبار الواردة في المقام، وها أنا أملي عليك ما وقفت عليه من تلك الأخبار، وأردفه بما وفقني الله تعالى لفهمه منها على وجه لا يعتريه إن شاء الله العثار ولا يحصل الصد عنه والنفار:

فمنها ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: "يصلى على الجنازة في كل ساعة، إنها ليست بصلاة ركوع ولا سجود، وإنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود لأنها تغرب بين قرني شيطان وتطلع بين قرني شيطان".

وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: "لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس فإن رسول الله (ص) قال إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان. وقال لا صلاة بعد العصر حتى تصلى المغرب".

وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: "لا صلاة بعد العصر حتى تصلى المغرب ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس".

وعن أبي الحسن علي بن بلال قال: "كتبت إليه في قضاء النافلة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ومن بعد العصر إلى أن تغيب الشمس؟ فكتب الي لا يجوز ذلك إلا للمقتضى فأما لغيره فلا".

يعني لا يجوز الصلاة في هذين الوقتين إلا لمن يقضي نافلة أو فريضة.

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال: "لا صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة".

وعن محمد بن فرج قال: "كتبت إلى العبد الصالح (ع) أسأله عن مسائل فكتب إلي: وصل بعد العصر من النوافل ما شئت وصل بعد الغداة من النوافل ما شئت".

وروى الصدوق في الفقيه عن الحسين بن زيد في حديث المناهي عن جعفر بن محمد عن آبائه (ع) قال: "ونهى رسول الله (ص) عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند استوائها".

ورواه في المجالس أيضا وقال: "وقد روى نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها لأن الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان".

وروى الصدوق في كتاب العلل بسند قوي عن سليمان بن جعفر الجعفري قال: "سمعت الرضا (ع) يقول لا ينبغي لأحد أن يصلي إذا طلعت الشمس لأنها تطلع بقرني شيطان، فإذا ارتفعت وصفت فارقها فيستحب الصلاة ذلك الوقت والقضاء وغير ذلك، فإذا انتصف النهار قارنها فلا ينبغي لأحد أن يصلي في ذلك الوقت لأن أبواب السماء قد غلقت، فإذا زالت الشمس وهبت الريح فارقها".

وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي عن علي بن سليمان عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن محمد بن الفضيل البصري قال: "قلت لأبي الحسن (ع) إن يونس كان يفتي الناس عن آبائك (ع) أنه لا بأس بالصلاة بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى أن تغيب الشمس؟ فقال كذب لعنه الله على أبي أو قال على آبائي".

ونقل شيخنا في البحار عن كتاب زيد النرسي عن علي بن مزيد قال: "سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إن الشمس تطلع كل يوم بين قرني شيطان إلا صبيحة ليلة القدر".

وروى الطبرسي في كتاب الاحتجاج مرسلا عن محمد بن جعفر الأسدي والصدوق في كتاب إكمال الدين مسندا عن محمد بن أحمد السناني وعلي بن أحمد بن محمد الدقاق والحسين بن إبراهيم المؤدب وعلي بن عبد الله الوراق قالوا: "حدثنا أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي قال كان فيما ورد على الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري في جواب مسائلي إلى صاحب الدار – وفى الاحتجاج إلى صاحب – الزمان: أما ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلان كان كما يقول الناس إن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان فما أرغم أنف الشيطان بشيء مثل الصلاة فصلها وارغم انف الشيطان".

إذا عرفت ذلك فالكلام في هذه الأخبار يقع في مواضع:

الأول ـ لا يخفى أن بعض هذه الأخبار وإن دل بإطلاقه على المنع من صلاة الفريضة في هذه الأوقات مثل صحيحة محمد بن مسلم وموثقة الحلبي ونحوهما من الأخبار الدالة على أنه لا صلاة في هذه الأوقات إلا أنه يجب تقييدها بما ورد من الأخبار الدالة على قضاء الفريضة وجوازه في هذه الأوقات، كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: "أربع صلوات يصليهن الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها وصلاة ركعتي الطواف الفريضة وصلاة الكسوف والصلاة على الميت، هؤلاء تصليهن في الساعات كلها".

ورواية نعمان الرازي قال: "سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل فاته شيء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها قال فليصل حين ذكره".

ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: "خمس صلوات تصليهن في كل وقت: صلاة الكسوف والصلاة على الميت وصلاة الإحرام والصلاة التي تفوت وصلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى الليل".

وصحيحة معاوية بن عمار قال: "سمعت أبا عبد الله (ع) يقول خمس صلوات لا تترك على كل حال: إذا طفت بالبيت وإذا أردت أن تحرم وصلاة الكسوف وإذا نسيت فصل إذا ذكرت وصلاة الجنازة".

وما سيأتي إن شاء الله تعالى في المقصد الآتي من الأخبار الدالة على الفورية بالقضاء وإن وقتها ساعة ذكرها.

فان قيل: إن النسبة بين هذه الأخبار وبين الأخبار الدالة على المنع العموم من وجه لأن هذه الأخبار دلت على الجواز أعم من أن يكون على جهة الكراهة أو بدونها وتلك الأخبار دلت على المنع من الصلاة فريضة كانت أو غيرها من هذه المعدودات، فما المرجح لما ذكرتموه من الجمع بتقييد تلك الأخبار بهذه واستثناء هذه الصلاة من الكراهة، ولم لا يجوز العكس بابقاء تلك الأخبار على ظاهرها من المنع وحمل الجواز في هذه الأخبار على الجواز المطلق الغير المنافي للكراهة؟

قلنا: وجه الترجيح لما ذكرنا من الجمع وجوه عديدة:

منها كثرة هذه الأخبار وظهورها في الجواز من غير كراهة وتأيدها بالشهرة وعمل الأصحاب بذلك وتصريح رواية أبي بصير بالنسبة إلى ما بعد الفجر وما بعد العصر.

إلا أنه لا يخفى أيضا أنه قد ورد في بعض الأخبار ما يدل على الكراهة في قضاء الفرائض في بعض هذه الأوقات، مثل رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: "إن نام الرجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء الآخرة أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما وإن خشى أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، وإن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصل الفجر ثم المغرب ثم العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصل المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها ثم ليصلها".

ونحوها رواية الحسن بن زياد عن أبي عبد الله (ع) الدالة على "إن الذاكر ظهرا منسية في أثناء العصر يعدل ولو ذكر مغربا في أثناء العشاء صلى المغرب بعدها ولا يعدل لأن العصر ليس بعدها صلاة".

وفي صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) "فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس".

وهذه الأخبار قد حملها الشيخ على التقية وهو جيد لما قدمنا تحقيقه من أن رواية أبي بصير وصحيحة ابن سنان الدالتين على امتداد وقت العشاءين إلى قبل الفجر إنما خرجتا مخرج التقية في ذلك فكذا في هذا الحكم.

وبالجملة فإن المستفاد من الأخبار المذكورة هو استثناء هذه الصلوات المذكورة كملا من عموم تلك الأخبار فلا كراهة فيها بالكلية.

الثاني – المستفاد من هذه الأخبار بعد ضم مطلقها إلى مقيدها هو جواز قضاء النوافل في هذه الأوقات من غير كراهية، لأن بعضها وإن دل بإطلاقه على المنع إلا أن رواية علي بن بلال قد صرحت باستثناء القضاء، وعليها يحمل أيضا إطلاق صحيحة عبد الله بن سنان الدالة على أنه يصلي بعد العصر من النوافل ما شاء وبعد الغداة يعني قضاء وكذا رواية محمد بن فرج لما عرفت من دلالة الأخبار المذكورة على المنع من المبتدأة خصوصا وعموما.

ومما يدل على جواز القضاء في هذه الأوقات الأخبار المستفيضة رواية محمد بن يحيى بن حبيب قال: "كتبت إلى أبي الحسن الرضا (ع) تكن علي الصلاة النافلة متى اقضيها؟ فكتب في أي ساعة شئت من ليل أو نهار".

ورواية حسان بن مهران قال: "سألت أبا عبد الله (ع) عن قضاء النوافل قال ما بين طلوع الشمس إلى غروبها".

وعن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) "في قضاء صلاة الليل والوتر تفوت الرجل أيقضيها بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر؟ قال: لا بأس بذلك".

وعن جميل بن دراج قال: "سألت أبا الحسن الأول (ع) عن قضاء صلاة الليل بعد الفجر إلى طلوع الشمس؟ قال نعم وبعد العصر إلى الليل فهو من سر آل محمد المخزون".

وفى الصحيح عن أحمد بن النضر وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي في بعض إسناديهما قال: "سئل أبو عبد الله (ع) عن القضاء قبل طلوع الشمس وبعد العصر فقال نعم فاقضه فإنه من سر آل محمد (ع)".

وروى في الفقيه مرسلا قال: "قال الصادق (ع) قضاء صلاة الليل بعد الغداة وبعد العصر من سر آله محمد المخزون".

وروى الشيخ عن سليمان بن هارون قال: "سألت أبا عبد الله (ع) عن قضاء الصلاة بعد العصر قال نعم إنما هي النوافل فاقضها متى شئت".

وعن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (ع) قال: "اقض صلاة النهار أي ساعة شئت من ليل أو نهار كل ذلك سواء".

وعن ابن أبي يعفور في الصحيح قال: "سمعت أبا عبد الله (ع) يقول صلاة النهار يجوز قضاؤها أي ساعة شئت من ليل أو نهار".

وبذلك يظهر ما في كلام الشيخين في المقنعة والنهاية من الحكم بكراهة قضاء النافلة في الأوقات الثلاثة وهي عند الطلوع والغروب والقيام، فإنه ناشئ عن الغفلة عن ملاحظة هذه الأخبار.

وظاهر الأخبار الدالة على أن القضاء بعد الفجر وبعد العصر من سر آل محمد المخزون ربما اشعر بكون ما دل على المنع من القضاء في هذين الوقتين إنما خرج مخرج التقية.

وكيف كان فإنه يبقى الإشكال فيما عدا القضاء من ذوات الأسباب فإن ظاهر القول المشهور الجواز من غير كراهية، وروايات المسألة كما ترى لا تعرض فيها لشيء من ذلك إلا ما دلت عليه الأخبار المتقدمة في الموضع الأول من ركعتي الطواف وصلاة الإحرام ويبقى ما عدا ذلك على الإشكال المذكور.

وأما ما رواه في كتاب قرب الإسناد عن الحسن بن طريف وعلي بن إسماعيل ومحمد بن عيسى جميعا عن حماد بن عيسى قال: "رأيت أبا الحسن موسى (ع) صلى الغداة فلما سلم الإمام قام فدخل الطواف فطاف أسبوعين بعد الفجر قبل طلوع الشمس ثم خرج من باب بني شيبة ومضى ولم يصل".

فيجب حمله على التقية كما أن قران الطوافين محمول عليها أيضا.

وظاهر شيخنا الشهيد في الذكرى الجمع بين الأخبار بتخصيص عموم هذه الروايات بروايات ذوات الأسباب، قال: والأقرب على القول بالكراهة استثناء ماله سبب لأن شرعيته عامة، وإذا تعارض العمومان وجب الجمع والحمل على غير ذوات الأسباب وجه جمع فإن مثل قول النبي (ص) "إذا دخل احدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" يشمل جميع الأوقات وكذا كل ذي سبب فإن النص عليه شامل. انتهى.

وأنت خبير بأنه لقائل أن يقول كما يجوز أن يخصص عموم تلك الأخبار بهذه فلم لا يجوز العكس بإبقاء أخبار المنع على عمومها وتخصيص هذه الأخبار بها بأن يقال أنه يؤتى بذوات الأسباب متى وجد السبب إلا في ما إذا كان في أحد هذه الأوقات؟ فلابد لترجيح أحد الحملين على الآخر من مرجح.

ويمكن أن يرجح ما ذكره بتطرق التخصيص إلى تلك الأخبار بما قدمناه من أخبار قضاء الفرائض وقضاء النوافل وما اشتملت عليه الأخبار المتقدمة في الموضع الأول من تلك الصلوات الخمس التي تصلى في كل وقت، سيما مع ما ستعرف إن شاء الله تعالى من احتمال تطرق التقية إلى هذه الأخبار كلا أو بعضا، واعتضاد تلك الأخبار أيضا بعموم ما دل على مشروعية الصلاة ورجحانها في كل وقت.

الثالث – ظاهر الصدوق (قده) في الفقيه التوقف في هذه المسألة حيث قال: وقد روي نهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها لأن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان، إلا أنه روى لي جماعة من مشايخنا عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي، ثم أورد الرواية كما قدمناه.

وقال الشيخ في التهذيب بعد أن أورد الأخبار المتضمنة للكراهة: وقد روي رخصة في الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، ونقل الرواية بعينها.

وقال السيد السند في المدارك بعد نقل كلام الفقيه بتمامه: ولولا قطع الرواية ظاهرا لتعين المصير إلى ما تضمنته وحمل أخبار النهي على التقية لموافقتها لمذهب العامة وأخبارهم وقد أكثر الفقيه الجليل محمد بن محمد بن النعمان في كتابه المسمى ب‍ "افعل لا تفعل" من التشنيع على العامة في روايتهم ذلك عن النبي (ص) وقال إنهم كثيرا ما يخبرون عن النبي (ص) بتحريم شيء وبعلة تحريمه وتلك العلة خطأ لا يجوز أن يتكلم بها النبي (ص) ولا يحرم الله من قبلها شيئا، فمن ذلك ما أجمعوا عليه من النهي عن الصلاة في وقتين عند طلوع الشمس حتى يلتئم طلوعها وعند غروبها، فلولا أن علة النهي أنها تطلع وتغرب بين قرني الشيطان لكان ذلك جائزا، فإذا كان آخر الحديث موصولا بأوله وآخره فاسد فسد الجميع.

وهذا جهل من قائله، والأنبياء لا تجهل فلما بطلت هذه الرواية بفساد آخر الحديث ثبت أن التطوع جائز فيهما. انتهى.

أقول: ما ذكره من أن الرواية مقطوعة غفلة عن مراجعتها من كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة إلا أنه ربما لو اطلع على ذلك لطعن في ذلك بعدم توثيق المشايخ المذكورين في كتب الرجال.

ولكن التحقيق كما ذكره شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) هو صحة الرواية، حيث قال: والظاهر صحة الرواية لأن قول الصدوق "روى لي جماعة من مشايخنا" يدل على استفاضتها عنده، والمشايخ الأربعة الذين ذكرهم في إكمال الدين وإن لم يوثقوا في كتب الرجال لكنهم من مشايخ الصدوق ويروي عنهم كثيرا ويقول غالبا بعد ذكر كلامهم (رض) واتفاق هذا العدد من المشايخ على النقل لا يقصر عن نقل واحد قال فيه بعض أصحاب الرجال "ثقة"، فلا يبعد حمل أخبار النهى مطلقا على التقية أو الاتقاء لاشتهار الحكم بين المخالفين واتفاقهم على إضرار من صلى في هذه الأوقات. ثم نقل كلام الشيخ المفيد المتقدم في كلام السيد (قده).

أقول: والقول بما صرحوا به (نور الله مراقدهم) من الحمل على التقية قريب في الباب لصحة هذا الخبر وصراحته إلا أنه ربما أشكل ذلك لورود هذا اللفظ في جملة من الأخبار الخارجة عن أخبار المسألة مثل خبر النفر من اليهود الذين جاءوا إلى رسول الله (ص) فسأله أعلمهم عن مسائل وفيه في تعليل صلاة الفجر في الوقت المخصوص بها ما صورته: "وأما صلاة الفجر فإن الشمس إذا طلعت تطلع على قرني الشيطان فأمرني ربي عز وجل أن أصلي قبل طلوع الشمس صلاة الغداة وقبل أن يسجد لها الكافر لتسجد أمتي لله عز وجل .. الحديث".

ونحوه ما رواه الصدوق في العلل في ما أجاب به أمير المؤمنين (ع) عن مسائل اليهود قال: "إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان".

ونحوهما مما لا يخفى على المتتبع.

والظاهر أنه لذلك قال شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين بعد نقل كلام الصدوق ودلالته على التوقف: والأولى عدم الخروج عما نطقت به الروايات المتكثرة وقال به جماهير الأصحاب. انتهى.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال وإن كان ما ذكرناه من الحمل على التقية أقرب قريب.

الرابع – ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من تعليل الكراهة حال الطلوع والغروب بأن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان ،قد ورد مثله في أخبار العامة.

وقد ذكروا في معناه وجوها:

قال في النهاية الأثيرية: فيه "الشمس تطلع بين قرني الشيطان" أي ناحيتي رأسه وجانبيه. وقيل القرن القوة أي حين تطلع يتحرك الشيطان ويتسلط فيكون كالمعين لها وقيل بين قرنيه أي امتيه الأولين والآخرين.

وكل هذا تمثيل لمن يسجد للشمس عند طلوعها فكأن الشيطان سول له ذلك فإذا سجد لها فكأن الشيطان مقترن بها.

وقال في القاموس: قرن الشيطان وقرناه أمته والمتبعون لرأيه أو قوته وانتشاره وتسلطه.

وقال الطيبي في شرح المكشاة: فيه وجوه:

أحدها – أنه ينتصب قائما في وجه الشمس عند طلوعها ليكون طلوعها بين قرنيه أي فوديه فيكون مستقبلا لمن يسجد للشمس فتصير عبادتهم له، فنهوا عن الصلاة في ذلك الوقت مخالفة لعبدة الشيطان.

وثانيها – أن يراد بقرنيه حزباه اللذان يبعثهما لإغواء الناس.

وثالثها – أنه من باب التمثيل شبه الشيطان في ما يسول لعبدة الشمس ويدعوهم إلى معاندة الحق بذوات القرون التي تعالج الأشياء وتدافعها بقرونها.

ورابعها – أن يراد بالقرن القوة من قولهم انا نقرن له أي نطيق، ومعنى التثنية تضعيف القوة كما يقال "مالي بهذا الأمر يد ولا يدان" أي لا قدرة ولا طاقة. انتهى.

وقال شيخنا في الذكرى: قيل قرن الشيطان حزبه وهم عبدة الشمس يسجدون لها في هذه الأوقات. وقال بعض العامة إن الشيطان يدني رأسه من الشمس في هذه الأوقات ليكون الساجد للشمس ساجدا له. انتهى.

أقول: والذي وقفت عليه في أخبارنا مما يتعلق بذلك ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه رفعه قال: "قال رجل لأبي عبد الله (ع) الحديث الذي روي عن أبي جعفر (ع) إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان؟ قال نعم إن إبليس اتخذ عرشا بين السماء والأرض فإذا طلعت الشمس وسجد في ذلك الوقت الناس قال إبليس لشياطينه إن بني آدم يصلون لي".

ونحوه ما تقدم من حديث النفر من اليهود مما يرجع إلى التعليل بسجود الكافر لها فيه. وحاصل معنى الخبرين المذكورين يرجع إلى التمثيل الذي ذكره في النهاية بأن المصلي في ذلك الوقت كأنه ساجد ويصلي للشيطان من حيث سجوده للشمس بتسويل الشيطان واغوائه فطلوعها كذلك يقترن بالشيطان باعتبار تسويله واضلاله.

الخامس – ظاهر قوله (ع) في رواية علي بن بلال "لا يجوز ذلك إلا للمقتضى" مما يدل على ما صرح به المرتضى من التحريم، وهو أيضا ظاهر قولهم "لا صلاة" وكذا نهى النبي (ص) فإن ظواهر هذه الألفاظ هو التحريم وإن تفاوتت في الدلالة على ذلك شدة وضعفا، إلا أن كلام الأكثر كما عرفت هو الكراهة والشهيد في الذكرى حمل التحريم في كلام المرتضى على الرجوع إلى صلاة الضحى لتقدمها في صدر الكلام، وهو إنما يتم له في العبارة الأولى من عبارتيه السالفتين وأما عبارته في أجوبة المسائل الناصرية فلا لعدم ذكر صلاة الضحى فيها ولتصريحه فيها بالنوافل المبتدأة وأنه لا يجوز أن يبتدأ بالنوافل في هذه الأوقات.

وظاهر عبارة الشيخ المفيد أيضا هو التحريم حيث قال في المقنعة: "ولا يجوز ابتداء النوافل ولا قضاء شيء منها عند طلوع الشمس ولا عند غروبها" بعد أن صرح أولا بأنه لا بأس أن يقضي الإنسان نوافله بعد صلاة الغداة إلى أن تطلع الشمس وبعد صلاة العصر إلى أن يتغير لونها.

وفي المختلف نقل عنه عبارة أخرى ولعلها من غير المقنعة وعبر فيها بالكراهة، والذي وجدته في المقنعة هو ما ذكرته.

إلا أن الشيخ المفيد جعل التحريم في وقتي الطلوع والغروب لكل من النافلة المبتدأة والمقضية، والسيد في كلامه الأول جعل التحريم في ما بعد طلوع الشمس إلى وقت زوالها وأطلق في التنقل وفي الثاني صرح بالمبتدأة وإن التحريم مخصوص بها وعمم في الأوقات كلها.

وكيف كان فظواهر الأخبار الدلالة على التحريم كما ذكرنا إلا أنك قد عرفت تخصيص تلك الأخبار بما عدا القضاء بل ذي السبب مطلقا فيرجع التحريم إلى المبتدأة خاصة، ولا أعرف لهم دليلا على الخروج عن ظواهرها من التحريم بدليل يوجب الخروج عن ظاهر ما دلت عليه مع قول جمع منهم به كما عرفت بذلك قال في الذكرى.

ولعل استناد الأصحاب في الحكم بالكراهة وحمل الأخبار المشار إليها على ذلك هو قوله (ع) في صحيحة محمد بن مسلم: "وإنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس .. إلى آخره" وقوله (ع) في رواية سليمان بن جعفر الجعفري المنقولة من العلل "لا ينبغي لأحد أن يصلي إذا طلعت الشمس .. إلى آخره".

والظاهر أنه إلى ما ذكرنا أشار العلامة في المنتهى حيث قال: النهي الوارد ههنا للكراهة لأن أخبارنا ناطقة بذلك خلافا لبعض الجمهور.

وفيه ما عرفته في غير مقام مما تقدم من كثرة ورود هذين اللفظين في التحريم في أخبارهم (ع) وقد حققنا فيما تقدم انهما من الالفاظ المتشابهة التي لا تحمل على أحد المعنيين إلا بالقرينة.

وبالجملة فالحكم عندي غير خال من شوب الإشكال لما عرفت.

وقال في الذكرى: لو أوقع النافلة المكروهة في هذه الأوقات فالظاهر انعقادها إن لم نقل بالتحريم إذ الكراهة لا تنافي الصحة كالصلاة في الأمكنة المكروهة، وتوقف فيه الفاضل من حيث النهي.

قلنا ليس بنهي تحريم عندكم. وعليه يبنى نذر الصلاة في هذه الأوقات فعلى قولنا ينعقد وعلى المنع جزم الفاضل بعدم انعقاده لأنه مرجوح.

ولقائل أن يقول بالصحة أيضا لأنه لا يقصر عن نافلة لها سبب وهو عنده جائز، ولأنه جوز إيقاع الصلاة المنذورة مطلقا في هذه الأوقات. انتهى.

أقول: يمكن أن يكون توقف الفاضل نظرا إلى ظاهر النهي وأنه حقيقة في التحريم وإن كان خلاف المشهور بينهم وخلاف ما نسبه إليه بقوله: "ليس بنهي تحريم عندكم" فإن أقواله (قده) في أكثر المسائل متعددة، وعليه يحمل أيضا جزمه بعدم انعقاد النذر المذكور كما نقله عنه.

وبالجملة فإن جميع ما ذكره من البطلان وعدم انعقاد النذر إنما يتم مع الأخذ بظاهر النهي فلعل العلامة في هذا الموضع اختار خلاف ما صرح به هو وغيره مما عليه القول المشهور من الجواز على كراهية.

السادس – ظاهر الأصحاب الاتفاق على استثناء يوم الجمعة من المنع من النوافل عند قيام الشمس، ونسبه في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ونقله أيضا عن جماعة من العامة.

وقد تقدم صحيح عبد الله بن سنان الدال على ذلك، ومثله صحيحة علي بن جعفر عن اخيه موسى (ع) قال: "سألته عن ركعتي الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو بعده؟ قال قبل الأذان".

السابع – أكثر الأخبار المتقدمة دلت على أن مقارنة الشيطان للشمس إنما هو وقت الطلوع ووقت الغروب، وظاهر رواية الجعفري المتقدم نقلها من كتاب العلل مقارنته لها أيضا في حال الانتصاف وإن النهي عن الصلاة وقت قيامها في الأخبار إنما هو لذلك.

ومن الأخبار الدالة على ذلك أيضا ما رواه في الذكرى قال: "روى عن النبي (ص) إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها، ونهى عن الصلاة في هذه الأوقات".

والظاهر أن الخبر المذكور من طريق العامة حيث أنه غير موجود في كتب أخبارنا.

وروى في الكافي عن الحسين بن مسلم قال: "قلت لأبي الحسن الثاني (ع) أكون في السوق فاعرف الوقت ويضيق علي أن أدخل فأصلي؟ قال إن الشيطان يقارن الشمس في ثلاثة أحوال: إذا ذرت وإذا كبدت وإذا غربت، فصل بعد الزوال فإن الشيطان يريد أن يوقعك على حد يقطع بك دونه".

قال في الوافي: ذرت الشمس طلعت، وكبدت وصلت إلى كبد السماء أي وسطها ولعل مراد الراوي إن اشتغالي بأمر السوق يمنعني أن أدخل موضع صلاتي فأصلي في أول وقتها، فأجابه (ع) بأن وقت الغروب من الأوقات المكروهة للصلاة كوقتي الطلوع والقيام فاجتهد أن لا تؤخر صلاتك إليه.

ويحتمل أن يكون مراده أني أعرف أن الوقت قد دخل إلا أني لا استيقن به يقينا تسكن نفسي إليه حتى أدخل موضع صلاتي فأصلي، ءأصلي على هذه الحال أم أصبر حتى يتحقق لي لزوال؟ فاجابه (ع) بأن وقت وصول الشمس إلى وسط السماء هو وقت مقارنة الشيطان لها كوقتي طلوعها وغروبها فلا ينبغي لك أن تصلي حتى يتحقق لك الزوال فإن الشيطان يريد أن يوقعك على حد يقطع بك سبيل الحق دونه أي يحملك على الصلاة قبل دخول وقتها لكيلا تحسب لك تلك الصلاة. انتهى

أقول: الظاهر بعد ما ذكره أخيرا عن حاق سياق الخبر المذكور وإن الأظهر هو الأول لكن بهذا التقريب وهو: إن السائل سأل أنه يدخل عليه الوقت في السوق ويعرفه ويحققه لكن تأخير الصلاة إلى أن يفرغ ويمضي إلى منزله يوجب ضيق الوقت فهل الأفضل أن يصلي في السوق في أول الوقت أو يؤخر إلى أن يأتي المنزل وإن ضاق الوقت؟ فأمره (ع) بالإتيان بها في أول الوقت.

والغرض من سوق هذا الكلام الدال على مقارنة الشيطان للشمس في هذه الأوقات الثلاثة بيان إضلال الشيطان للناس في هذه الأوقات الثلاثة بزيادة على ما هو عليه في جميع الأوقات، أما في وقت الطلوع فلما تقدم، وأما وقت القيام ووقت الغروب فإنه حيث كان وقت الصلاة بعد هذين الوقتين بلا فصل فإنه يحضر هو وجنوده لإغوائهم وإضلالهم عنها بما أمكنه فربما سول لك التأخير إلى أن تدخل منزلك وموضع مصلاك ليقطع بك دون الزوال وفضيلته. والله العالم.

الثامن – ينبغي أن يعلم أن ما دل عليه موثق الحلبي المتقدم – من النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب – المراد به نفس فريضة الفجر وفريضة العصر لا وقتاهما، وبه صرح الشيخ (قده) في ما تقدم من عبارة الخلاف في تفصيله وفرقه بين ما كان الكراهة لأجل الوقت كالثلاثة التي ذكرها أو لأجل الفعل يعني فعل الصلاة في هذين الوقتين لا من حيث الزمان كالصلاة بعد صلاة الفجر وصلاة العصر، وعلى هذا فلو صلى في هذا الوقت قبل الفريضة لم تتعلق به الكراهة وإنما يرجع إلى جواز النافلة في وقت الفريضة وإن كان على كراهة كما هو أحد القولين وعدمه كما هو المختار، فالكراهة حينئذ على تقدير القول بالجواز إنما هي من جهة أخرى غير ما نحن فيه.

والظاهر تعليق الحكم على صلاة المصلي نفسه لا على الصلاة في الجملة وإن كان من غيره.

ونقل في الذكرى عن بعض العامة أنه جعل النهي معلقا على طلوع الفجر لما روى "إن النبي (ص) قال ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين" وبعموم قوله (ع) "لا صلاة بعد الفجر". ثم أجاب عن ذلك بأن الحديث الأول لم نستثبته وأما الثاني فنقول بموجبه ويراد به صلاة الفجر توفيقا بينه وبين الأخبار. انتهى.

التاسع – لو صلى الصبح والعصر منفردا ثم أراد الإعادة جماعة لتحصيل فضيلتها فهل تتصف صلاته هذه بالكراهة بناء على المشهور أم لا؟ صرح في الذكرى بالثاني وعلله بأن لها سببا، وبما روى "إن رسول الله (ص) صلى الصبح فلما انصرف رأي رجلين في زاوية المسجد فقال لم لم تصليا معنا؟ فقالا كنا قد صلينا في رحالنا. فقال إذا جئتما فصليا معنا وإن كنتما قد صليتما في رحالكما لكنها لكما سبحة" انتهى.

أقول: أما ما علل به اختياره لعدم الكراهة من أن هذه النافلة ذات سبب فلا أعرف له وجها إذ الصلاة فرادى ليست علة لاستحباب الإعادة جماعة، ولا تعلق لها بها ولا ربط بينهما بالكلية، وإنما العلة هو أمر الشارع بذلك في هذا المقام.

ألا ترى أن صلاة الزيارة لما كانت العلة فيها الزيارة بمعنى أن الشارع جعلها لأجلها وناطها بها وكذلك صلاة تحية المسجد ونحو ذلك صارت من ذلك ذات سبب.

وأما الخبر الذي أورده فالظاهر أنه عامي حيث لم أقف عليه في كتب أخبارنا.

وبالجملة فالظاهر بناء على القول بكراهة النافلة المبتدأة بعد هاتين الصلاتين هو كراهة هذه الصلاة، وتخصيص أخبارها الدالة على مشروعيتها واستحبابها مطلقا بهذه الأخبار ممنوع.

العاشر – قال في الذكرى: لو عرض السبب في هذه الأوقات كأن أراد الإحرام أو دخل المسجد أو زار مشهدا لم تكره الصلاة لصيرورتها ذات سبب ولأن شرعية هذه الأمور عامة.

ولو تطهر في هذه الأوقات جاز أن يصلي ركعتين ولا يكون ابتداء للحث على الصلاة عقيب الطهارة، ولأن النبي (ص) روى أنه قال لبلال: "حدثني بارحى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة قال ما عملت عملا أرجى عندي من أنني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي" وأقره النبي (ص) على ذلك. انتهى.

أقول: أما ما ذكره بالنسبة إلى ذوات الأسباب فقد تقدم الكلام فيه.

وأما ما ذكره – من أن من تطهر في هذه الأوقات وصلى فإنه لا يصدق على صلاته هذه أنها نافلة مبتدأة – فلا يخفى ما فيه. وأما ما استند إليه من الحث على الصلاة عقيب الطهارة ففيه أنه كما ورد استحباب الصلاة بعد الطهارة كذا ورد الحث على الصلاة أيضا بقول مطلق وأنها خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر، وورود أن الرجل ليصلي الركعتين تطوعا يريد بهما وجه الله عز وجل فيدخله الله بهما الجنة ونحو ذلك.

وبالجملة فالحث على الصلاة والأمر بها لا ينافي الكراهة باعتبار عروض بعض أسبابها، إلا ترى أن صلاة الفريضة مع ما هي عليه من الوجوب حتى صرحت الأخبار بكفر تاركها تعرض لها الكراهة باعتبار بعض الأمكنة والأزمنة والأحوال مثلا.

وأما ما ذكره من الخبر فهو خبر عامي خبيث وكذب بحت صريح لتضمنه دخول بلال الجنة قبل النبي (ص) وقد بينا ما فيه من المفاسد في مقدمات كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد، فالإستدلال به من مثل شيخنا المشار إليه عجيب.

الحادي عشر – قال في الذكرى أيضا: ليس سجود التلاوة صلاة فلا يكره في هذه الأوقات ولا يكره التعرض لسبب وجوبه أو استحبابه، وكذا سجود الشكر. أما سجود السهو ففي رواية عمار عن أبي عبد الله (ع) "لا يسجد سجدتي السهو حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها" وفيه إشعار بكراهة مطلق السجدات.

الثاني عشر – قال في الذكرى: لو ائتم المسافر بالحاضر في صلاة الظهر تخير في جمع الظهر والعصر أو الإتيان بالظهر في الركعتين الأوليين فيجعل الأخيرتين نافلة. ولو ائتم في العصر فالظاهر التخيير أيضا، ويأتي على قول من عمم كراهة النافلة ان يقدم في الأوليين النافلة ويجعل العصر في الأخيرتين، وقد روى ذلك محمد بن النعمان عن الصادق (ع) قال الشيخ: إنما فعل ذلك لأنه يكره الصلاة بعد العصر. انتهى

أقول: ما ذكره من أن الظاهر التخيير وإن الكراهة إنما تتجه على القول الذي ذكره ظاهر في أن النافلة عنده ليست من النوافل المبتدأة وإنما هي من ذوات الأسباب كما تقدم منه في الموضعين المتقدمين.

وفيه ما عرفت فإنه لا وجه لدخول هذه النافلة في ذوات الأسباب بل الكراهة فيها متجهة كما ذكره الشيخ (قده) بناء على كونها مبتدأة.

بقى الكلام في ما دلت عليه أخبار هذه المسألة من التخيير متى ائتم المسافر بالحاضر بين أن يجعل الأوليين هي الفريضة والأخيرتين نافلة أو بالعكس وكذا صرح به الأصحاب مع تصريحهم بتحريم الجماعة في النافلة إلا ما استثنى ولم يذكروا هذا الموضع فيما استثنوه.

ولا يحضرني الآن وجه الجواب عن هذا الإشكال. والله العالم.

تواصل معنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *