مقطع من خطبة جمعة للشيخ في شهر ذي الحجة
⛔️ مقطع من خطبة جمعة لفقيه أهل البيت "عليهم السلام" المحدّث الشيخ يوسف البحراني "قدس سره" يشير فيه إلى دخول شهر ذي الحجة وينوّه بفضله:
🔵 ((عبادَ الله، اعلموا رحمكم الله، أنّ ميادين الآجال ضيقة المجال، مشحونة بصروف الأيام والليالي وتقلب الأحوال، وترادف الإختلال، وحبال الآمال لا تنتهب إلى حال، ولا تقف ولو في الحال، قد مدّها لكم عدوٌّ حُبِسَ معكم في الصدور، واتخذها مجلسا في الورود والصدور، (ينفثُ) في الآذان نجيّا، وينفذ في الصدور خفيا، يزيّن سيئات الجرائم، ويهوّن موبقات العظائم، ويمدّ في حبل الأمل، ويصدّ عن صالح العمل، يورد ولا يُصدر، ويوعد ولا يقدر، حتى إذا استدرجكم بمكره، وأوقعكم في حفرِه، أنكر ما زيّن، واستعظم ما هوّن، وأدبر موليّا بعد أن ضيّق محبسكم، وقال لا تلوموني ولوموا أنفسكم، ألم ترَإذ قال للإنسان اكفر فلمّا كفر وكان بقوله من (العالين) أدبر عنه، وقال إنّي بريء منك إنّي أخاف الله ربّ العالمين، فخذوا منه الحذر، وأَعْجِلُوا عنه الفرار.
📌 واعلموا رحمكم الله أنه قد أقبل عليكم شهر قد شرّف الله قدره، (وأعلن) ذكره، وأعلى أمره، ومدح عَشْرَه، وخصّه بخصال من الكمال، ومزيد من النّوال، لم تجتمع في غيره من الأيام والليالي، قد أوجب فيه الحج إلى بيته الحرام، وتأدية المناسك، وضاعف فيه السّعادة للعابد له والنّاسك، وكشف فيه عن حجب الولاية، بما أنزله من التأكيد والتهديد في الآية، وأكمل فيه الدين بنصب مولانا أمير المؤمنين، وفيه أيضا ظهرت حجة الإيمان على نصارى نجران، فأصبحت قلوبهم ذاهلة لمّا دعاهم صلى الله عليه وآله للمباهلة، وفيه كانت صدقة مولانا أمير المؤمنين بخاتمه في ركوعه، على المسكين.
📌 وقد ورد في فضل العشر الأُوَل من ذي الحجة من الأخبار ما هو واضح البيان والمحجة، ففي الخبر عن النّبي "صلى الله عليه وآله" أنه قال: ما من أيام العملُ الصالح فيها أحبّ إلى الله عزّوجلّ من أيام العشر، يعني عشر ذي الحجة، قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال لا ولا الجهاد في سبيل الله إلاّ رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء.
وقد استفاضت الأخبار باستحباب صوم الثمانية الأيام الأول منه، ففي بعض الأخبار: من صام أول يوم من عشر ذي الحجة كتب الله له صوم ثمانين شهرا.
وفي بعضها: من صام التسعة كتب الله له صوم الدّهر.
وفي الخبر عن الصّادق "عليه السّلام": قال قال لي أبي محمّد بن علي "عليهما السّلام": يا بني لا تتركنّ أن تصلي كلّ ليلة بين المغرب والعشاء الآخرة من ليالي عشر ذي الحجة، ركعتين، تقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد مرة واحدة، وهذه الآية: "وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين". فإذا فعلت ذلك شاركت الحاجّ في ثوابهم وإن لم تحج.
📌 فاستعد لذلك أيها السّامع بحسن الاستعداد إن وُفِّقْتَ لبلوغ ذلك المراد.
واعلمْ أنك تدخل هذا الشهر إلى موائد قد مُدّتْ للأبرار، وفوائد قد رسمت في ديوان عالم الأسرار، فتطهّرْ لذلك من دنس المعاتبات، ونجِس المعاقبات، وتفقد جوارحك في الأقدار، قبل (التهجّم) على (معاحد) الاظهار، واغسل ما تجده من وسخ قلبك المفرّق بينك وبين ربّك، فإذا طهَّرتَ الجوارح من القبائح وخلعتَ ثياب الفضائح، فالبسْ ثوباً من العمل الصالح، وقدّمْ السكينةَ والوقار، ومُدّ يدَ المسألة والاعتبار، وقِفْ موقف الذلّة والانكسار، واجلسْ مجلس السّلامة من الإعتذار، فإنّك تفوزُ عند ذلك بالإسعاد، وتبلغ المُراد، وترجعُ بالنجح والإرفاد.
📌 جعلنا الله وإياكم، ممن بلغته مطيّ عزائمه للفوز بغنائمه، والسّلامة من مآثمه، والعصمة من حوبه وجرائمه.
إنّ خير الكلام، وأشرف ما جرت به الأقلام، كلام الملك العلاّم، أعوذ بالله السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم، "بسم الله الرّحمن الرّحيم، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ".
وأستغفر الله الكريم المنّان، لي ولكم ولجملة الإخوان، إنّه غفور رحيم، توّاب كريم)).