رأي الشيخ البحراني في قاعدة التسامح في أدلة السنن

⛔️ ‏مما تفضل به علينا أحد ‏السادة الأجلاء من فضلاء الحوزة ‏الدينية الشريفة ‏"أعزّ الله به المذهب الحق" السؤال التالي:

سماحة الشيخ الجليل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

بعد تقديم جزيل الشكر لكم على ما تبذلونه من جهود علمية رائدة، فإنَّني أطرح السؤال التالي:

ما هو رأي سماحة الفقيه المُحدِّث الشيخ يُوسف البحراني في قاعدة (التسامح في أدلَّة السُنن)؟

‏🛑 ‏الجواب: ‏الشيخ جعفر الشارقي:

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

نشكركم ‏سماحة السيد الجليل على ‏ثقتكم الغالية وتشجيعكم الدائم لنا، ونسأل الله أن نكون عند حسن ظنكم، ‏وأن لا نخلو من صالح دعائكم.

‏🔵 أما بالنسبة إلى قاعدة "التسامح في أدلة السنن" ‏فهي من القواعد التي إستحدثت بعد التقسيم الرباعي للحديث الشريف ‏الذي استحدثه السيد ابن طاووس ‏أو تلميذه العلامة الحلي "قدس سرهما" .

وقد استدل لها العلماء الذين تبنوها بروايات "من بلغ" التي دلّت على أن من ‏بلغه ثواب على عمل معين فعمل ذلك العمل برجاء الحصول على الثواب فإن الله تعالى يتكرم عليه بنفس الثواب وإن لم يكن ‏ ‏العمل واردا ‏في الحقيقة ‏والواقع، ومنها:

1- ما رواه الشيخ الكليني عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) قال: (من سمع شيئاً من الثواب على شيء فصنعه، كان له، وإن لم يكن على ما بلغه).

2- ومنها ما رواه في المحاسن: (من بلغه عن النبي (ص) شيء من الثواب ففعله كان أجر ذلك له، وإن كان رسول الله (ص) لم يقله).

3- ومنها ما رواه عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله (ع) قال: (من بلغه عن النبي (ص) شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي (ص) كان له ذلك الثواب، وإن كان النبي “ص” لم يقله).

📌 وهذا ‏الاستدلال مردود عليه بأن أقصى ‌ما تضمّنته‌ تلك‌ الأخبار ‌هو‌ ترتب‌ الثواب‌ على العمل، ومجرّد‌ ‏التكرّم بالثواب‌ ‌لا‌ يستلزم‌ أمر الشارع‌ وطلبه‌ لذلك‌ العمل، كما إن تلك‌ الأخبار لابدّ من تقييدها‌ بوجود دليل‌ شرعي صحيح يدل على أصل المشروعيّة.

‏📌 أما المحدّث الشيخ يوسف البحراني "قدس سره" فقد أشار إلى ‏هذه القاعدة المستحدثة في كتابه "الحدائق الناضرة" ‏في موارد كثيرة، ‏وكان رأيه في كل مرة واضحا في رفضها لعدم ابتنائها على الدليل ‏الشرعي الصحيح بل ووجود الدليل على خلافها.

‏📌 وهي في نظره إنما جاءت نتيجة التقسيم الرباعي للحديث الشريف "الصحيح والضعيف والحسن والموثق" ‏والذي يرفضه رفضا باتّا، ويرى ‏أن التقسيم الصحيح هو ما اعتمده المتقدمون من الفقهاء: فالصحيح عندهم هو ما اعتضد بما يوجب الإعتماد عليه من القرائن والأمارات ‏وإن كان سنده ضعيفا، والضعيف ما سواه ‏وإن كان سنده قويا.

📌 والإستحباب‌ والكراهة في نظره الشريف كالوجوب‌ والتحريم‌ عبارة عن أحكام‌ شرعيّة ‌لا‌ تثبت‌ إلا بالدليل‌ الشرعي الواضح‌، وأكد أنه متى‌ ‌كان‌ الحديث‌ الضعيف‌ ‌باصطلاحهم ليس‌ بدليل‌ شرعي‌ ‌كما‌ زعموا‌ ‌فلا‌ ‏يمكن إثبات ‏مشروعية العمل الوارد فيه فضلا عن استحبابه‌‌.

‏⚫️ وحتى يكون الكلام مبنيا على وقائع ‏واضحة فقد اخترت من تلك الموارد ‏-في الحدائق الناضرة- ثلاثة نماذج:

‏📍 الأول:

(أقول: أنت خبير بأن كلا من الكلامين لا يخلو من نظر، أما كلام المحقق المذكور وما ذكره بعد الطعن في دلالة الخبر من أن اشتهار الحكم كاف في ثبوته للتسامح في أدلة السنن فهو لا يخلو من المجازفة والخروج عن نهج السنن، وذلك فإن الاستحباب حكم شرعي يتوقف ثبوته على الدليل الواضح الشرعي وإلا كان قولا على الله سبحانه بغير علم كما دلت عليه الآيات القرآنية وعضدتها السنة النبوية، وبلوغ التسامح إلى هذا المقدار أمر خارج عن النهج الواضح المنار).

‏📍 الثاني:

(أقول: ومرجع هذا الاعتذار إلى أن الرواية وإن ضعفت -بالقطع عن الدلالة على الوجوب- إلا أنه تصلح دليلا للاستحباب للتسامح في أدلة السنن.

وهذه القاعدة وإن اشتهرت في كلامهم إلا أنها لا تخلو من المجازفة في أحكامه سبحانه، لما علم من أن الاستحباب حكم شرعي كالوجوب والتحريم فيتوقف على الدليل الواضح وإلا كان من قبيل القول على الله سبحانه بغير علم، وقد استفاضت الآيات القرآنية والأخبار المعصومية بالمنع عنه وحينئذ فالخبر الضعيف إن كان دليلا شرعيا وجب القول بما دل عليه من وجوب أو استحباب وإلا وجب طرحه والإعراض عنه في جميع الأبواب).

‏📍 الثالث:

(ثم العجب من السيد السند (قده) أنه مع اعترافه بكون ذلك من المباني المستنبطة كيف يذكر أولا أنه جيد ويعلل ذلك بالمسامحة في أدلة السنن؟ أليس السنن من الأحكام الشرعية المتوقف تشريعها على الدليل؟ وهل تبلغ المسامحة في الأحكام الشرعية إلى هذا المقدار؟ وغاية ما بلغ إليه الأصحاب بناء على هذا الاصطلاح المحدث هو الاكتفاء بالخبر الضعيف في ذلك لا مجرد القول من غير خبر قياسا على الأشباه والنظائر فإنه من القياس الممنوع منه).

‏🛑 وأما في كتابه "الدرر النجفية" فقد خصص ‏للكلام حول هذه القاعدة المستحدثة درة كاملة وبحثها بحثلا متكاملا، قال في ختامها:

(أقول‌: أنت‌ خبير بأن‌ الكلام‌ ‌في‌ ‌هذه‌ المسألة سؤالا وجوابا ونقضا وإبراما ‌إنّما‌ ابتنى‌ على ‌هذا‌ الإصطلاح‌ المحدث‌ الذي جعلوا ‌فيه‌ ‌بعض‌ الأخبار‌ -‌ و‌إن‌ ‌كانت‌ مروية ‌في‌ الأصول‌ المعتمدة والدساتير المتعدّدة‌ -‌ ضعيفة، ورموا ‌بها‌ ‌من‌ البين‌ و‌إن‌ كانوا ‌عند‌ الحاجة إليها يغمضون‌ عنها العين‌، ويتستّرون‌ ‌عن‌ مخالفة اصطلاحهم‌ بالأعذار الضعيفة والتعليلات‌ السخيفة ممّا ذكر ‌في‌ ‌هذه‌ المسألة و‌غيره‌.

وإلا فمتى‌ قلنا بصحّة جملة أخبارنا المرويّة ‌في‌ أصولنا المعتبرة ودساتيرنا المشتهرة وأنها أدلّة صحيحة شرعيّة موجبة لثبوت‌ الأحكام‌ ‌كما‌ ‌عليه‌ جملة المتقدّمين‌ وشطر ‌من‌ متأخري متأخري علمائنا الأعلام‌، ‌فلا‌ مجال‌ لهذا البحث‌ بالكليّة، إذ العامل‌ ‌إنّما‌ عمل‌ على ‌ذلك‌ الخبر لكونه‌ معتبرا معتمدا.

و‌هذا‌ ‌هو‌ الأنسب‌ بالقواعد الشرعيّة والضوابط المرعيّة؛ ‌فإن‌ الاستحباب‌ والكراهة كالوجوب‌ والتحريم‌ أحكام‌ شرعيّة ‌لا‌ تثبت‌ إلا بالدليل‌ الواضح‌ والمنار اللائح‌، ومتى‌ ‌كان‌ الحديث‌ الضعيف‌ ‌ليس‌ بدليل‌ شرعي‌ ‌كما‌ يزعمونه‌ ‌فلا‌ يثبت‌ ‌به‌ استحباب‌؛ ‌لا‌ ‌في‌ محل‌ّ النزاع‌، و‌لا‌ ‌غيره‌.

والتستّر هنا بأن‌ ثبوت‌ الاستحباب‌ ‌إنّما‌ حصل‌ بانضمام‌ ‌هذه‌ الأخبار ‌كما‌ ادّعوه‌، ‌فيه‌‌ -‌ زيادة على ‌ما عرفت‌ ‌أيضا‌‌ -‌ ‌أنه‌ يؤدي‌ إلى ثبوت‌ الاستحباب‌ بمجرّد رؤية ‌أو‌ سماع‌ حديث‌ يدل‌ّ على ترتّب‌ الثواب‌ ‌في‌ ظهر كتاب‌ ‌أو‌ ورقة ملقاة، ‌أو‌ بخبر عامّي‌؛ لصدق‌ البلوغ‌ بكل‌ ‌من‌ ‌هذه‌ الأمور ‌كما‌ دلّت‌ ‌عليه‌ تلك‌ الأخبار. والتزام‌ ‌ذلك‌ ‌لا‌ يخلو ‌من‌ مجازفة ‌في‌ الأحكام‌؛ ولهذا ‌أن‌ بعضهم‌ تفطّن‌ إلى ‌ما ذكرنا، فاشترط ثبوت‌ أصل‌ المشروعيّة احترازا ‌عن‌ البدع‌، و‌هو‌ تقييد للنص‌ بغير دليل‌.

والحق‌ّ ‌في‌ الجواب‌ ‌إنّما‌ ‌هو‌ ‌ما ذكرناه‌ ‌من‌ ‌عدم‌ صحّة ‌هذا‌ الكلام‌؛ لعدم‌ صحة أساسه‌ المشار ‌إليه‌ ‌في‌ المقام‌).

‏انتهى كلامه قدس سره.

🔵 والنتيجة العملية لكلام الشيخ البحراني "قدس سره" هي:

إن الاستحباب حكم شرعي لا يجوز للفقيه ولا لغيره إثباته لمجرد ورود مضمونه في رواية ضعيفة أو في كتاب غير معتمد، ‏سواء بناء على التقسيم الثنائي للحديث أو على التقسيم الرباعي، والسبب هو أن الرواية متى كانت ضعيفة فهي ساقطة عن الحجية.

فلا بد من الرجوع في الأمر إلى مرجع التقليد ‏الذي بدوره يقوم بالنظر فيها ‏وفي قرائنها وفي غيرها من الأدلة إن وجدت، فإذا ثبت عند الفقيه صحتها كان له إثبات حكم الإستحباب وجاز الاتيان بالعمل على نحو الاستحباب وإلا فلا.

تواصل معنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *