لو طلّق زوجته ثم راجعها ولم يبلغها خبر الرجعة فتزوجت بآخر
⛔ مسألة في الطلاق:
ما حكم من طلّق زوجته ثم راجعها ولم يبلغها خبر الرجعة فتزوجت بشخص آخر ثم رجع الأول وأخبرها بأنه راجعها في أيام عدتها وأنها لا زالت زوجته؟
🔵 بحث المحدّث الشيخ يوسف البحراني (قدس سره) هذه المسألة في كتاب الحدائق الناضرة وفي كتاب الدرر النجفية، وأشار إلى أن القول المشهور بين الشيعة هو أنها لازالت زوجة الأول، وأن الزواج الثاني باطل وذلك لعدم إشتراط علم الزوجة بالرجعة.
كما أشار إلى الخلاف الذي حصل في حكم هذه المسألة بين علمين كبيرين من أعلام الشيعة في البحرين وهما:
1- الشيخ علي بن سليمان القدمي البحراني (أم الحديث).
2- الشيخ أحمد بن الشيخ محمّد بن علي بن يوسف بن سعيد المقشاعي الأصبعي.
ثم إنه بعد مناقشة الروايات في حكم هذه المسألة انتهى إلى نفس النتيجة في الكتابين، وهي ترجيح القول المشهور القائل ببقاء زوجية الرجل الأول وبطلان الزواج الثاني ولكن مع ذلك تردد في الحكم لوجود التعارض في الأدلة.
وقبل قراءة البحث ينبغي أن يعلم بأن الحكم في هذه المسألة مبني على شيء آخر وهو:
هل يشترط في حصول الرجعة الإشهاد وإعلام الزوجة في أثناء العدة أم لايشترط ذلك.
كما لابد أن يلتفت المؤمنون إلى أن ما يقتضيه الاحتياط في الدين ولاسيما في الفروج هو الإشهاد على الرجعة متى حصل ثم إخبار الزوجة بحصولها في أثناء العدة.
🛑 وفي التالي ننقل البحث من كتاب الدرر النجفية:
((قال شيخنا المحدّث الصالح الشيخ عبداللّه بن صالح البحراني (قدّس سرّه) وقد سئل عمّن طلق زوجته ثم راجعها وأشهد على ذلك، ولم يبلغها خبر الرجعة إلا بعد أن انقضت العدة وتزوجت وولدت من ذلك الزوج، بعد أن نقل عن الأصحاب أنه يحكم بها للزوج الأوّل، وبعد أن نقل كلام (المسالك) في المقام الدال على ذلك، وقال بعده:
(وفي الكل إشكال، لعدم الظفر بنص في ذلك كله، إلا إن أصل المسألة ليس بموضع إشكال عندهم كما يعرف من كلامهم، وإن كان عندي أيضا فيها توقف) - ما صورته:
(وهذه هي المسألة التي وقع النزاع فيها بين الشيخ الثقة الجليل زين الدين علي بن سليمان القدمي البحراني، والشيخ أحمد بن الشيخ محمّد بن على بن يوسف بن سعيد المقشاعي الأصبعي، وقد حكم الشيخ أحمد بقبول الدعوى مع قبول البينة، وألحقها بالأول ومنع الثاني، وخالفه الشيخ على وحكم بها للثاني، ولم يسمع دعوى الأوّل؛ احتجاجا بأن الرجوع لا بدّ فيه من الإعلام في العدة، والنكاح قد وقع صحيحا مطابقا للشرع، فلا ينتفي بالرجوع الذي لم يحصل العلم به إلا بعد التزويج.
واستفتينا فيها فقهاء العصر، وكتبنا فيها إلى سائر البلدان، كشيراز، وأصفهان، فصححوا كلام الشيخ أحمد، وخطّؤوا الشيخ عليا.
والحق أن هذا هو ظاهر كلام الأصحاب، لأنّهم لم يشترطوا في صحة الرجوع الإعلام، وليس هو من باب عزل الوكيل، كما يجيء بيانه وإن كان لي فيها تأمّل؛ لعدم النص الصريح في المسألة). انتهى كلامه زيد مقامه.
📌 فظاهر كلامه (قدّس سرّه) كما ترى يدل على عدم وجود نصّ في الحكم المذكور لا بنفي ولا إثبات، وهو عجيب منه (طاب ثراه) مع ما هو عليه في الأخبار من سعة الباع وزيادة الاطّلاع.
والذي وقفت عليه من الروايات المتعلّقة بالمسألة:
1- ما رواه ثقة الإسلام الكليني (نوّر اللّه تعالى مرقده) في (الكافي) بسند صحيح إلى المرزبان قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن رجل قال لامرأته: اعتدّي فقد خلّيت سبيلك. ثم أشهد على رجعتها بعد ذلك بأيام، ثم غاب عنها قبل أن يجامعها، حتى مضت لذلك أشهر بعد العدة أو أكثر، فكيف تأمره؟ فقال: «إذا أشهد على رجعته فهي زوجته».
وهذه الرواية - كما ترى - صريحة الدلالة على أنه بالإشهاد على الرجعة في العدة، تثبت الزوجية؛ وهي دالّة بإطلاقها على ذلك سواء بلغها الخبر أو لم يبلغها، ولا فرق في ذلك من تزويجها بعد العدة مع عدم بلوغها الخبر ولا عدمه.
وليس في سند الخبر من ربما يتوقف في شأنه، سوى المرزبان، وهو إبن عمران بن عبد اللّه، وقد ذكر النجاشي أن له كتابا، وهو ممّا يؤذن بكونه من أصحاب الأصول.
وروى الكشي حديثا يشعر بحسن حاله؛ ولهذا عد شيخنا المجلسي قدّس سرّه في (الوجيزة) حديثه في الحسن.
2- وروى في (الكافي) بسنده عن الحسن بن صالح قال: سألت جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) عن رجل طلّق أمراته وهو غائب في بلدة أخرى، وأشهد على طلاقها رجلين، ثم إنه راجعها قبل انقضاء العدة [ولم يشهد على الرجعة ثم إنه قدم عليها بعد انقضاء العدّة] وقد تزوّجت، فأرسل إليها: إني قد كنت راجعتك قبل انقضاء العدة ولم اشهد. قال: «لا سبيل له عليها؛ لأنّه قد أقر بالطلاق، وادّعي الرجعة بغير بيّنة؛ فلا سبيل له عليها؛ ولذلك ينبغي لمن طلق أن يشهد على الرجعة كما أشهد على الطلاق. وإن كان أدركها قبل أن تزوّج كان خاطبا من الخطاب».
وجه الدلالة فيها أن قوله: «وادّعى الرجعة بغير بينة ولا سبيل له عليها» يدل بمضمونه على أنه لو كان له بينة على الرجعة كان له السبيل عليها، مؤكدا ذلك بالأمر لمن راجع أن يشهد على الرجعة، كما يشهد على الطلاق حتى تثبت الزوجية في الأوّل، كما تنتفي في الثاني.
📌 وظاهر كلمة الأصحاب (رضوان اللّه عليهم) الاتّفاق على القول بأنه يملك رجعتها متى رجع وإن لم يبلغها الخبر، وأنه بالإشهاد على الرجعة يستردّ نكاحها لو نحكت غيره، مع عدم بلوغها الخبر.
قال شيخنا الشهيد الثاني (قدّس سرّه) في (المسالك): (الرابع: أن يقع النزاع بعد ما نكحت غيره، فإذا نكحت ثم جاء الأوّل وادّعي الرجعة سواء كان عذرها في النكاح لجهلها بالرجعة أم نسبهما إلى الخيانة والتلبيس، نظر؛ فإن أقام عليها بينة، فهي زوجة الأوّل سواء دخل بها الثاني أم لم يدخل، ويجب لها مهر المثل على الثاني إن دخل بها) انتهى.
وقال العلامة في (قواعد الأحكام): (ولا يشترط علم الزوجة في الرجعة ولا رضاها، فلو لم تعلم وتزوّجت ردّت إليه وإن دخل الثاني بعد العدة. ولا يكون الثاني أحقّ بها) انتهى.
وعبارته وإن كانت مطلقة بالنسبة إلى ثبوت الرجعة وعدمه، إلا إن مراده بعد الثبوت بالشهادة؛ لما صرّح به قبيل هذا الكلام من قوله: (ويستحب الإشهاد، وليس شرطا، لكن لو ادّعي بعد العدة وقوعها فيها لم يقبل دعواه إلا بالبينة) انتهى.
وقال في (التحرير): (ولا يشترط في صحة الرجعة إعلام الزوجة ولا الشهادة، فلو راجعها بشهادة اثنين وهو غائب في العدة صحّت الرجعة، فإن تزوّجت حينئذ كان فاسدا سواء دخل الثاني أم لا. ولا مهر على الثاني مع عدم الدخول ولا عدة، ومع الدخول المهر والعدّة، وترجع إلى الأوّل بعدها)، إلى غير ذلك من عباراتهم التي يقف عليها المتتبع.
📌 ويؤيد ذلك أيضا زيادة على ما قدّمناه من الروايتين إطلاق جملة من الأخبار، مثل قول أبي جعفر (عليه السّلام) في صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم: «وإن الرجعة بغير شهود رجعة، ولكن ليشهد بعد فهو أفضل».
وقوله (عليه السّلام) في حديث محمّد بن مسلم: «وإن أراد أن يراجعها أشهد على رجعتها قبل أن تنقضي أقراؤها».
وقوله (عليه السّلام) أيضا في حديث آخر لمحمد بن مسلم، وقد سئل عن رجل طلق امرأته واحدة، ثم راجعها قبل أن تنقضي عدّتها، ولم يشهد على رجعتها، قال: «هي أمراته ما لم تنقض العدة، وقد كان ينبغي له أن يشهد على رجعتها، فإن جهل ذلك، فليشهد حين علم. ولا أرى بالذي صنع بأسا» الحديث. إلى غير ذلك ممّا هو على هذا المنوال.
📌 وهي كما ترى شاملة بإطلاقها، لما لو علمت المرأة أو لم تعلم، تزوجت أو لم تتزوج، فإنها بمجرد الرجعة في العدة تكون زوجته شرعا واقعا، وإنّما الإشهاد على ذلك لدفع النزاع وثبوت الزوجية في ظاهر الشرع.
فلو فرضنا أن الزوجة صدقته ووافقته على دعواه قبل التزويج بغيره صح نكاحه لها. فتوقّف شيخنا المحدث الصالح المتقدم ذكره في المسألة - لعدم النص - عجيب.
وأعجب منه حكم شيخنا قدوة المحدّثين ورئيس المحققين الشيخ علي بن سليمان المتقدم ذكره بعدم صحة الرجعة، مع عدم بلوغ الخبر لها في العدة؛ لما ذكره من التعليل.
ولا ريب أن ما ذكره من التعليل قويّ متين، لأن الأحكام الشرعية لم تبن على ما في نفس الأمر والواقع، والنكاح الذي وقع أخيرا وقع صحيحا بحسب ظاهر الشرع، وإبطاله بما حصل في نفس الأمر مشكل؛ لما ذكرناه. ولكن لمّا دلّت الأخبار - كما ذكرنا - على خلافه وجب الخروج عنه.
📌 إلا إنه أيضا قد روى ثقة الإسلام (عطر اللّه مرقده) في (الكافي) في الصحيح وإن كان المشهور عدّه في الحسن بإبراهيم بن هاشم، إلا إن الأظهر عندي وفاقا لجمع من أفاضل متأخرى المتأخّرين نظم حديثه في الصحيح - عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام)، أنه قال في رجل طلّق امرأته وأشهد شاهدين، ثم أشهد على رجعتها سرّا منها واستكتم الشهود، فلم تعلم المرأة بالرجعة، حتى انقضت عدّتها، قال: «تخيّر المرأة، فإن شاءت زوجها وإن شاءت غير ذلك، وإن تزوّجت قبل أن تعلم بالرجعة التي أشهد عليها وزوجها، فليس للذي طلقها عليها سبيل، وزوجها الأخير أحقّ بها». وهي كما ترى صريحة فيما ذهب إليه شيخنا الشيخ على المذكور.
ولعلّ اعتماده فيما ذهب إليه كان على هذه الرواية الصحيحة الصريحة، وإن لم ينقل ذلك عنه، فإنه في الاطلاع على الأخبار وزيادة الفحص فيها ممّا لا ثاني له في زمانه، حتى اشتهر في بلاد العجم تسميته بـ (أم الحديث).
ورأيت في بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا العلامة المجلسي (قدّس سرّه) على هذا الخبر ما صورته: (ظاهره اشتراط علم الزوجة في تحقق الرجعة، ولم أر به قائلا، ويمكن حمله على ما إذا لم يثبت بالشهود، وهو بعيد) انتهى.
📌 وبالجملة، فالمسألة لهذه الرواية الصحيحة الصريحة قد بقيت في زاوية الإشكال، وأصحابنا (رضوان اللّه عليهم) في كتبهم الفروعية الاستدلالية لم ينقلوا شيئا من الروايات بالكلية، وفي كتب الأخبار لم يتعرّضوا للكلام في ذلك بشيء، وربما يوهم سكوتهم في الموضعين اتفاق الأدلة وكلامهم على ذلك.
والحال كما ترى. ولم يحضرني الآن أقوال العامّة في هذه المسألة.
ولعل هذه الصحيحة قد خرجت مخرج التقيّة لاتّفاق ظواهر الأخبار المتقدمة مما ذكرناه، وكذا غيره على ما اتفقت عليه كلمة الأصحاب في هذه المسألة.
📌 ثم إني وقفت في (كتاب سليم بن قيس) - وهو من الأصول المشهورة المعتمد عليها عند محققي أصحابنا، كما صرّح به شيخنا المجلسي (قدّس سرّه) في كتاب (البحار) - على رواية له عن علي (عليه السّلام) يذكر فيها بدع عمر وإحداثه، ومن جملتها قال (عليه السّلام): «وأعجب من ذلك أن أبا كنف العبدي أتاه فقال: إني طلقت امرأتي وأنا غائب، فوصل إليها الطلاق، ثم راجعتها وهي في عدّتها، وكتبت إليها فلم يصل الكتاب حتى تزوجت. فكتب له: إن كان هذا الذي تزوجها دخل بها فهي امرأته، وإن كان لم يدخل بها فهي امرأتك. وكتب له ذلك وأنا شاهد ولم يشاورني ولم يسألني، يرى استغناءه بعلمه عني! فأردت أن أنهاه، ثم قلت: ما أبالي أن يفضحه اللّه. ثم لم تعبه الناس، بل استحسنوه واتخذوه سنة وقبلوه عنه ورأوه صوابا، وذلك قضاء لا يقضي به مجنون».
وهذا الخبر وإن اشتمل على أن مذهب عمر كان هو التفصيل بين بلوغ الخبر قبل الدخول وعدمه، إلا إنه نصّ في كونه بعد الدخول لا رجعة للأول منها. كما اشتمل عليه ذلك الخبر، وإن اشتمل أيضا على الرجعة قبل الدخول. ولعلّ مذهب أوليائه وأتباعه استقر بعده على عدم الرجعة مطلقا تزوّجت أو لم تتزوج.
واللّه سبحانه أعلم بحقائق احكامه)).
المصدر:
1- الدرة 28 من كتاب “الدرر النجفية”
2- الحدائق الناضرة – الجزء: 25 صفحة: 367
للمحدث الشيخ يوسف البحراني (قدس سره)