حكم أكل جلد رأس الشاة وجلد الدجاج
⛔ مسألة شرعية:
تم توجيهها إلى المحدث الشيخ يوسف البحراني "قدس سره الشريف":
🔵 السؤال: ما قول شيخنا في جلد رأس الشاة هل يجوز أكله أم لا؟ لأنّه ورد علّة تحريم الجلود للانتفاع بها وجلد رأس الشاة لا ينتفع به وليس من الخبائث فيرمى فما يبقى عندنا إلّا دخوله في الاسم إذا جرى منه عليه الحكم فيصير اطراداً واجتهاد الأخير أو إيراداً لأنّ ما لا ينتفع به ليس كمثل ما ينتفع به فيطلب له خبر على حدة، وأنت أعرف ورأيك الأعلى.
🛑 الجواب: الشيخ يوسف البحراني:
(إنّ المشهور بل كاد أن يكون إجماعاً عدم عدّ الجلد في محرّمات الذبيحة ولم أقف على من ذهب إلى تحريمه إلّا المحدّث الشيخ محمد بن الحسن العاملي في الوسائل وغيره من كتبه وأكثر الروايات الواردة فيما يحرم من الذبيحة خالية من ذكر الجلد.
نعم قد ورد ذلك في رواية رواها الصدوق في كتاب العلل عن أبان بن عثمان في حديث قال فيه: قال أبو عبدالله (عليه السلام): يكره من الذبيحة عشرة أشياء منها الطحال والانثيان والنخاع والدم والجلد والعظم والقرن والظلف والغدد والمذاكير وأطلق في الميتة عشرة أشياء الصوف والشعر والريش والبيضة والناب والقرن والظلف والأنفحة والاهاب واللبن وذلك إذا كان قائماً في الضرع.
وإلى هذه الرواية استند الشيخ المذكور، والظاهر أنّه لا دلالة فيها لاحتمال إرادة الكراهة في الجلد بالمعنى المصطلح لا بمعنى التحريم، ويؤيّده أنّه قد عدّ فيما أطلق من الميتة الإهاب أيضاً الذي هو الجلد، وهو ظاهر في كون ذكره أوّلًا إنّما هو على جهة الكراهة كما قلنا، والمحدِّث المذكور حمل عدّ الإهاب فيما أطلق على التقيّة، وفيه ما لا يخفى.
ولا ينافي ذلك اشتمال الرواية على ما هو متّفق على تحريمه إذ غاية ما يلزم منه استعمال اللفظ الواحد في معنييه حقيقةً ومجازاً أو الاشتراك، واستعماله شائع في الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار، وبه اعترف أيضاً شيخنا الشهيد في الذكرى وإن كان أصحاب الأُصول قد صرّحوا في أُصولهم بالمنع من ذلك، ولكن الأخبار تدفعه بل هو لازمٌ لهم في هذه المسألة حيث انّ جملة منهم (رضوان الله عليهم) لم يعملوا بأخبار هذه المسألة وما اشتملت عليه من تحريم هذه الأشياء المعدودة فيها لضعفها باصطلاحهم، وإنّما اعتمدوا على أدلّة خارجة عنها مثل الدم لنجاسته وما دخل في الخبائث فحرّموها من هذه الجهة وتمسّكوا بأصالة الحلّية فيما عداها وتمسّكوا أيضاً بظواهر جملة من الآيات، وحملوا الأخبار المذكورة الواردة بما عدا ما جزموا بتحريمه على الكراهة تفادياً من طرح الأخبار فلزم من ذلك ما ذكرنا من استعمال اللفظ الواحد في معنييه، وربّما يشهد لما ذهب إليه المحدّث المشار إليه ما رواه الصدوق في كتاب العلل أيضاً عن صفوان بن يحيى الأزرق قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): الرجل يعطى الأضحية لمن يسلخها بجلدها، قال: لا بأس إنّما قال الله عزّوجلّ (فَكُلُوا مِنْهٰا وَأَطْعِمُوا) والجلد لا يؤكل ولا يطعم وفيه أيضاً انّه غير واضح الدلالة في التحريم لجواز أن يكون المراد أنّ الجلد ليس ممّا يتعارف أكله عادةً مثل اللحم فلا ينصرف إليه الإطلاق لما بيّناه في غير موضع وصرّح به جملة من المحقّقين من أنّ الأحكام الشرعية إنّما تبنى على الافراد المتكثّرة الشائعة المتعارفة بين الناس فإنّما هي يتبادر إليها الإطلاق دون الفروض النادرة.
فحاصل كلامه (عليه السلام) هنا أنّ الجلد ليس من الأشياء المأكولة التي يتعارف الناس أكلها حتّى ينصرف إليها إطلاق الآية وإن جاز أكله بل الإطلاق إنّما ينصرف إلى الافراد المتعارفة وهو اللحم وحينئذ فلا يكون في الرواية دليل على ما ذكره.
وبالجملة: فالتحريم عندي غير ظاهر.
وقال شيخنا المجلسي (عطّر الله مرقده) في كتاب البحار: وأمّا الجلد الذي ورد في بعض الأخبار ومال إلى تحريمه بعض المعاصرين من المحدِّثين فهو ضعيف، انتهى.
أقول: وكيف كان فإنّ المراد بالجلد الذي لا يؤكل في الخبر وهو الذي يعطى الجزّار إنّما هو ما عدا جلد الرأس والذي يؤكل إنّما هو جلد الرأس.
وبالجملة: فهذا الخبر المجمل لا يمكن تخصيص الآيات والأخبار الدالّة على الحلّية به.
هذا وأمّا ما ذكرتم من ورود علّة تحريم الجلود للانتفاع بها فالظاهر أنّه تحرض أو توهّم إذ لم نقف في الأخبار على شيء من ذلك وهذه الأخبار المشتملة على تحريم الجلود وليس غيرها في الباب وهي خالية ممّا ذكرتموه من العلّة المذكورة.
ومما حقّقناه في المقام وكشفنا عنه نقاب الإبهام يظهر أنّه لا يتعدّى البحث هنا والكلام في العام إلى جلد الدجاج ونحوها كما توهّمه بعض من لا تأمّل له ولا اطّلاع على كلامهم (عليهم السلام) لأنّ مورد أخبار الجلد إنّما هو الأنعام على أنّ إطلاق الجلد على هذا القشر الرقيق في الدجاج ونحوها لا يخلو من نظر. والله العالم).
المصدر: مخطوط الأنوار الحيرية
للمحدث الشيخ يوسف البحراني "قدس سره الشريف"