هل يفرّق المصلي بين يديه حالة القنوت أم يضمهما؟

⛔ مسألة شرعية:
تم توجيهها إلى المحدث الشيخ يوسف البحراني "قدس سره الشريف":
🔵 السؤال: ما قول شيخنا فيمن يفرّق بين يديه حالة القنوت؟
🛑 الشيخ يوسف البحراني:
الجواب والله سبحانه الموفّق لإصابة الصواب:
إنّه لا يخفى أنّ الذي صرّح به الأصحاب في هذا المقام من غير خلاف يعرف هو أنّه يستحبّ النظر في حال القيام إلى موضع السجود، وعليه يدلّ جملة من الأخبار.
وصرّحوا أيضاً من غير خلاف ينقل بأنّه في حال القنوت
يستحبّ النظر إلى باطن كفّيه حيث أنّ المشهور بينهم أنّه يستحبّ رفع كفّيه حال القنوت حيال وجهه مستقبلًا بباطنهما السماء، وقيل حيال صدره، وقيل تجعل باطنهما إلى الأرض وظاهرهما إلى السماء، وهما شاذّان، إلّا أنّا لم نقف على مستند فيما صرّحوا به من وظيفة الكفّين حال القنوت وأنّه يستحبّ رفعهما حيال الوجه مستقبلًا بباطنهما السماء فضلًا عن استحباب النظر إليهما حال القنوت.
📌 والذي وصل إلينا ممّا يوهم التعلّق به لما ذكروه روايتان:
الأُولى: صحيحة عبد الله بن سنان الواردة في قنوت الوتر وهي ما رواه في الصحيح عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: تدعو في الوتر على العدوّ وإن شئت سمّيتهم وتستغفر وترفع يديك في الوتر حيال وجهك وإن شئت تحت ثوبك.
وهي مع أنّ موردها الوتر قاصرة عن إثبات المدّعى إذ غاية ما يدلّ عليه استحباب الرفع حيال الوجه، وأمّا استقبال باطنهما السماء فلا إشعار به فضلًا عن الدلالة الظاهرة عليه.
إلا أنّ الشهيد في الذكرى قال: ويستحبّ رفع اليدين تلقاء وجهه مبسوطتين يستقبل ببطونهما السماء وظهورهما الأرض، قاله الأصحاب، وروى عبدالله بن سنان عن الصادق (عليه السلام): وترفع يديك حيال وجهك وإن شئت تحت ثوبك ويتلقى بباطنهما السماء. ونحوه الفاضل الخراساني في الذخيرة.
وأنت خبير بأنّا لم نقف على رواية عبد الله بن سنان بهذه الصورة، والذي رأيناه هو ما ذكرناه من الرواية الواردة، في الوتر بالنحو الذي نقلناه.
واحتمال كونها رواية أُخرى نقلها شيخنا الشهيد من الأُصول التي كانت عنده كما وقع كثيراً ممكن، واحتمال كون ذلك نقلًا للرواية التي ذكرناها بالمعنى لا يمكن إلّا مع حمل الزيادة المذكورة على السهو أعني قوله: يتلقّى بباطنهما السماء.
الثانية: ما رواه في الفقيه عن أبي حمزة الثمالي قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول في آخر وتره وهو قائم: ربِّ أسأت وظلمت نفسي و بئس ما صنعتُ وهذه يداي جزاء بما صنعت ثمّ يبسط يديه جميعاً قدّام وجهه و يقول: وهذه رقبتي خاضعة لك لما أتيت، قال: ثمّ يطأطأ رأسه ويخضع برقبته ثمّ يقول: و ها أنا ذا بين يديك إلى آخره.
وهذه الرواية أيضاً كما ترى موردها صلاة الوتر ومع ذلك فالمفهوم منها أنّه إنّما يبسط يديه جميعاً قدام وجهه عند قوله: وهذه يداي جزاء بما صنعت، مع كون الدعاء إنّما هو في آخر قنوت الوتر كما صرّح به في الخبر، فهو مشعر بكون يديه قبل ذكر هذه الفقرة من الدعاء ليست كذلك إلّا أن يحمل على البسط التام وإن كانت قبل ذلك مبسوطة في الجملة.
📌 ومن هنا يمكن أن يقال إن ما حكم به الأصحاب من استحباب رفع اليدين حيال الوجه حال القنوت مستقبلًا بباطنهما السماء مأخوذ من هذين الخبرين بضمّ تنقيح المناط حيث إنّه لا يعرف لقنوت الوتر خصوصية بذلك فيتعدّى إلى جميع مواضع القنوت.
ويؤيّده أيضاً أنّ أصل رفع اليدين في القنوت لم ينقل في شيء من أخبار القنوت فيما أعلم بالكلّية، وإنّما وجد في هذين الخبرين، ولو خلّينا وظاهرها مع قطع النظر عن هذين الخبرين لكان غاية ما يفهم منها هو الدعاء بعد القراءة في الركعة الثانية بما ورد من أدعية القنوت من [غير] رفع بالكلّية.
وكيف كان فما ذكر من استحباب النظر حال القنوت إلى باطن الكفّين خال من الدليل أيضاً لما عرفت في الأصل الذي ينتهي إليه هذا الحكم.
وقد اعترف بذلك الأصحاب أيضاً كما يفهم من المحقّق في المعتبر والشهيد في الذكرى.
📌 وأمّا ما ذكرتموه من النظر حال القنوت إلى موضع السجود فهذا شيء لم يذكره أحد من الأصحاب، وإنّما استنبطه أخونا المقدس الشيخ عبدعلي (رحمه الله) من حيث توغّله في الأخبار حملا للقيام في الأخبار الدالّة على استحباب النظر إلى موضع السجود حال القيام على ما هو أعمّ من قيام القنوت وغيره فصار يفرّق بين يديه حال قنوته وينظر إلى موضع سجوده.
وهو وإن احتمل إلّا أنّ العمل على ما عليه الأصحاب سلفاً وخلفاً ممّا قدّمنا ذكره عنهم، فإنّ اتفاقهم على الحكم سيما المتقدّمين منهم كالصدوقين والشيخ المفيد ونحوهم ممّن عاصرهم وتقدّم عليهم ممّا يثمر الظنّ الغالب بل العلم العادي بأنّ ذلك مذهب أهل البيت (صلوات الله عليهم) فإنّ مذهب كلّ إمام إنّما يعلم بنقل أتباعه وشيعته وعملهم.
على أنّ ما ذهب إليه (قدس سره) لا يخلو أيضاً من غفلة فإنّه إن كان عمله على الأخبار واطراح كلام الأصحاب في هذا الباب والأخبار خالية من رفع اليدين بالكلية كما أشرنا إليه آنفاً والرفع انّما وجد في هذين الخبرين المختصّين بقنوت الوتر فالواجب عليه بمقتضى قاعدته في القنوت إنّما هو الدعاء خاصّة بدون رفع اليدين، وإن استند إلى كلام الأصحاب في رفع اليدين فينبغي أن يستند إليه أيضاً في باقي الأحكام المذكورة وإلّا فلا معنى لمتابعتهم في بعض والتخلّف في بعض فإنّ جميع هذه الأحكام من استحباب رفع اليدين وكونهما حيال الوجه واستقبال السماء بباطنهما واستحباب النظر إليهما إنّما هو في كلام الأصحاب كما عرفت. والله العالم.
المصدر: مخطوط الأنوار الحيرية
للمحدث الشيخ يوسف البحراني ‏"قدس سره الشريف"

تواصل معنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *