حكم ما يفعله الانسان حال الغضب من المعاصي

⛔ مسألة شرعية:
تم توجيهها إلى الشيخ المحدث يوسف البحراني "قدس سره الشريف":
🔵 السؤال: ما يقول شيخنا فيمن يشهد باطلًا أو يقتل نفساً أو يجني على ولده في حالة الغضب الشديد هل يأثم في ذلك ويستحقّ النار وغضب الجبّار أم لا يأثم حيث أوّل المنازع في هذه المسألة هذا الحديث الذي في الكافي في الغضب واستدلّ فيه أنّ الله أعزّ وأكرم من أن يسلب العبد عقله ويحاسبه على ذنبه.


🛑 الجواب: الشيخ يوسف البحراني:
((إنّه لا ريب أنّ الغضب من الأخلاق النفسانيّة وأنّه قد يكون ممدوحاً وقد يكون مذموماً، فالممدوح ما كان في جانب الدين وعلى نهج الحقّ كدفع الضرر عن النفس على الوجه السائغ وجهاد الأعداء والبطش بهم، والأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، وإقامة الحدود على الوجه المعتبر والمذموم ما كان على خلاف ذلك ولا ريب أنّه بهذا المعنى الثاني إنّما هو من الشيطان لا من الله تعالى كما توهّمه هذا القائل، لما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم وإنّ أحدكم إذا غضب احمرّت عيناه وانتفخت أوداجه ودخل الشيطان فيه فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الأرض فإنّ رجز الشيطان يذهب عنه عند ذلك.
وما رواه فيه عن ميسرة قال:
ذكر الغضب عند أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ الرجل ليغضب فما يرضى أبداً حتّى يدخل النار فأيما رجل غضب على قوم وهو قائم فليجلس من فوره ذلك فإنّه يذهب عنه رجز الشيطان.. الخبر.
وما رواه فيه أيضاً عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخلّ العسل.
إلى غير ذلك من الأخبار التي من هذا القبيل وهي صريحة الدلالة واضحة المقالة في أنّ الغضب من أقبح الخصال الذميمة وأنّه من دواعي الشيطان التي يحمل عليها الإنسان فيوجب له استحقاق العذاب والنيران.
وقال بعض علمائنا (رضوان الله عليهم) ونِعْمَ ما قال: والغضب حالة للقلب يثمرها الجهل بالأوامر الشرعية والحدود المرعيّة وتسويل النفس الأمّارة وثمرتها الطغيان على الخلق باليد واللسان والتعدّي عليهم بالظلم والعدوان ومن علاماته احمرار الوجه والعين وانتفاخ العروق وسرّ ذلك أنّ القوّة الغضبيّة إذا تحرّكت نحو الانتقام واشتعلت نارها في الباطن يغلي به دم القلب كغلي الحميم فينبعث منه الدخان فيرتفع إلى أعالي البدن كما يرتفع في القدر وينصب في الوجه و العين والعروق فيحمرّ الوجه والعين وتنتفخ العروق ويختلّ الدماغ الذي هو معدن الفكر في المحسوسات وينطفي نور عقله كما ينطفي ضوء السراج في البيت باستيلاء الدخان عليه فيظلم بصره وبصيرته ولا يؤثِّر فيه وعظ ولا نصيحة فيموت صاحبه غيظاً، وهذه الخصلة من أعظم الخصال الذميمة، ولذا قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
واحذر الغضب فإنّه جندٌ عظيم من جنود إبليس.
إلى آخر كلامه زيد في مقامه.
وبالجملة: فإنّه لا ريب أنّ الغضب مثل الحسد والكبر والعُجب ونحوها من الصفات الذميمة والرحمة والرقّة والرفق والعفّة ونحوها من الصفات من الأخلاق الحسنة والجميع من أخلاق النفس الموجبة للثواب فيما كان منها حسناً والعقاب فيما كان منها قبيحاً.
وبهذا يظهر لك أنّ ما ذكره هذا القائل -من أنّ ما يفعله حال الغضب من المعاصي لا يُعاقب عليه لأنّ الغضب من الله حيث إنّه قد سلبه عقله فلا يؤاخذه- إنّما نشأ عن عدم التأمّل في الأخبار كما عرفت ممّا قدّمناه ونزيده بياناً أنّ الآيات والروايات الدالّة على تخليد قاتل النفس بغير حقّ في النار وإقامة الحدود والتعزيرات على من تعدّى بيد أو لسان على غيره لا فرق فيها بينما وقع منها على وجه الغضب ولا الرضا فتخصيصها يحتاج إلى دليل بل لو تمّ ما ذكره هذا القائل لبطلت أكثر الحدود والتعزيرات المقرّرة في الروايات إذ الغالب أنّ هذه التعدّيات من قتل أو سبّ أو أخذ مال أو نحو ذلك لا يقع إلّا في حال الغضب وشدّة ثورانه واستيلائه على العقل الشرعي، فإذا كانت لا عقاب عليها كما زعمه فإلى مَنْ تتوجّه هذه الأوامر والنواهي المتعلّقة بهذه المذكورات. والله العالم)).
المصدر: مخطوط الأنوار الحيرية
للمحدث الشيخ يوسف البحراني ‏"قدس سره الشريف"

تواصل معنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *