انتقال‌ ‌ما ‌في‌ ذمّة المقتول‌ ظلما إلى ذمّة القاتل‌

مسألة في انتقال‌ ‌ما ‌في‌ ذمّة المقتول‌ ظلما إلى ذمّة القاتل‌:
✅ ورد عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): من قتل مؤمنا متعمدا أثبت الله على قاتله جميع الذنوب وبرئ المقتول منها، وذلك قول الله عز وجل: (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار). ‏وسائل الشيعة – الجزء 29
🛑 إذا قتل شخص شخصا ظلما وعدوانا فلا شك في انتقال كل الذنوب والمعاصي التي ارتكبها المقتول في حياته إلى ذمة القاتل ‏ليرجع المقتول ظلما إلى ربه نظيفا نقيا من الذنوب والمعاصي ‏ولا يؤاخذ على شيء منها.
ولكن هل تنتقل الديون وكل الحقوق‌ المالية وغيرها إلى ذمة ‏القاتل أيضا، ‏ومعنى هذا أن للدائن ‏الرجوع إلى القاتل ليطالبه بديون المقتول؟


⛔ البحث التالي ‏للمحدث الشيخ يوسف البحراني ‏"قدس سره الشريف" يرد على هذا التساؤل ‏بشكل علمي:
📚 الدرة النجفية 23
(في‌ انتقال‌ ‌ما ‌في‌ ذمّة المقتول‌ ظلما إلى ذمّة القاتل‌)

    ‌قد‌ وجدت‌ ‌في‌ جملة ‌من‌ المواضع‌ نقلا ‌عن‌ ‌بعض‌ أصحابنا‌ "رضوان‌ اللّه‌ عليهم‌‌" وربما أسند ‌في‌ ‌بعض‌ المواضع‌ إلى شيخنا الشهيد‌ "عطر اللّه‌ مرقده" ‌أنه‌ متى قتل‌ أحد أحدا ظلما انتقل‌ ‌ما ‌في‌ ذمة المقتول‌ ‌من‌ الحقوق‌ المالية وغيرها، الآدمية والإلهية إلى ذمة القاتل‌.
    واستشكل‌ ‌ذلك‌ جملة ممّن‌ وقف‌ ‌عليه‌ ممن‌ اطلعت‌ على كلامه‌، وردّوه‌ بعدم‌ الدليل‌، ‌بل‌ ربما رموا قائله‌ بالتجهيل‌.
    و‌قد‌ وقفت‌ ‌في‌ ‌بعض‌ الأجوبة المنسوبة إلى السيد العلامة السيد ماجد البحراني‌ "قدّس‌ سرّه‌" المقبور ‌في‌ شيراز ‌في‌ جوار السيد أحمد ابن مولانا الكاظم‌ ‌"عليه‌ السّلام" المشهور ب‌ (شاه‌ چراغ‌) على الجواب‌ ‌عن‌ ‌هذه‌ المسألة ‌بما‌ صورته‌، ‌حيث‌ ‌قال‌ السائل‌:
(سيدنا، ‌ما قولكم‌ فيمن‌ قتل‌ شخصا، هل‌ ينتقل‌ ‌كل‌ ‌ما على ذمة المقتول‌ إلى القاتل‌ ‌من‌ الإلهية والآدمية؛ مالية وغيرها، أم‌ ‌لا‌؟).
‌    فقال‌ السيد "قدّس‌ سرّه" ‌في‌ الجواب‌:
(‌أما‌ انتقال‌ ‌ما على المقتول‌ إلى ذمّة القاتل‌ ‌من‌ الحقوق‌ الماليّة والإلهية، ‌فلا‌ نعرف‌ ‌له‌ وجها و‌إن‌ وجد ‌في‌ ‌بعض‌ الفوائد منقولا ‌عن‌ ‌بعض‌ الأعيان‌) انتهى.
    أقول‌: و‌قد‌ وقفت‌ ‌في‌ ‌بعض‌ الأخبار على ‌ما يؤيّد ‌هذا‌ القول‌ المذكور ويدل‌ّ ‌عليه‌، و‌هو‌ ‌ما رواه‌ المحدث‌ الكاشاني‌ ‌في‌ تفسيره‌ (الصافي‌)، ‌عن‌ شيخنا الصدوق ‌‌"عطر اللّه‌ مرقده" ‌في‌ كتاب‌ (عقاب‌ الأعمال‌) بسنده‌ ‌عن‌ الباقر ‌"عليه‌ السّلام" ‌قال‌: «‌من‌ قتل‌ مؤمنا أثبت‌ اللّه‌ على قاتله‌ جميع‌ الذنوب‌ وبرئ‌ المقتول‌ ‌منها‌»، و‌ذلك‌ قول‌ اللّه‌ عزّ وجل‌:ّ (إِنِّي‌ أُرِيدُ أَن‌ تَبُوءَ بِإِثمِي‌ وإِثمِك‌َ فَتَكُون‌َ مِن‌ أَصحاب‌ِ النّارِ).
و‌هو‌ ‌كما‌ ترى صريح‌ ‌في‌ الدلالة على انتقال‌ الحقوق‌ الإلهية ‌من‌ ذمة المقتول‌ إلى ذمة القاتل‌.
    والكتاب‌ المذكور ‌لا‌ يحضرني‌ الآن‌ لألاحظ سند الرواية المذكورة، إلا ‌إن‌ الأمر على ‌ما نذهب‌ ‌إليه‌ ‌من‌ صحة أخبارنا المروية ‌في‌ كتب‌ أصحابنا المشهورة، و‌عدم‌ العمل‌ على الاصطلاح‌ المحدث‌ ‌بين‌ متأخرى أصحابنا‌ "رضوان‌ اللّه‌ عليهم‌‌" ‌من‌ تنويع‌ الأخبار إلى الأنواع‌ الأربعة عار ‌عن‌ الإشكال‌، و‌به‌ يتم‌ الاستدلال‌.
    وأنت‌ خبير بأنه‌ ‌مع‌ قطع‌ النظر ‌عن‌ ورود ‌هذا‌ الخبر، فظاهر الآية المذكورة دال‌ على ‌ذلك‌؛ إذ ظاهر الإضافة ‌في‌ ‌قوله‌ (بِإِثمِي‌) ‌هو‌ العموم‌ لكل‌ إثم‌ للمقتول‌.
و‌ما تأوله‌ المفسرون‌ ‌من‌ تقدير مضاف‌، أي‌ (بإثم‌ قتلي‌ ‌إن‌ قتلتني‌، وإثمك‌ الذي ‌كان‌ منك‌ ‌قبل‌ قتلي‌)، ‌أو‌ المراد: (إثمي‌ ‌لو‌ بسطت‌ يدي‌ إليك‌ وإثمك‌ ببسط يدك‌ إلي‌ّ)، فتكلف‌ مخالف‌ للظاهر ‌كما‌ ‌لا‌ يخفى.
والظاهر ‌أن‌ الحامل‌ ‌عليه‌ ‌هو‌ ‌عدم‌ الوقوف‌ على القائل‌ بمقتضي‌ ظاهر الآية، و‌عدم‌ الإطلاع‌ على الدليل‌ الدال‌ على ‌ذلك‌.
    و يدّل‌ على ‌ذلك‌ ‌أيضا‌‌ -‌ بالنسبة إلى الحقوق‌ المالية الآدمية -‌ ‌ما رواه‌ ‌في‌ (الكافي‌) بسند حسن‌ ‌عن‌ الوليد ‌بن‌ صبيح‌ ‌قال‌: جاء رجل‌ إلى ‌أبي‌ ‌عبد‌ اللّه‌ ‌"عليه‌ السّلام" يدعي‌ على المعلّي‌ ‌بن‌ خنيس‌ دينا، ‌فقال‌: ذهب‌ بحقي‌، ‌فقال‌ أبو ‌عبد‌ اللّه‌ ‌"عليه‌ السّلام‌": «ذهب‌ بحقك‌ الذي قتله‌». ‌ثم‌ ‌قال‌ للوليد: «قم‌ إلى الرّجل‌ فاقضه‌ ‌من‌ حقه‌، فإني‌ اريد ‌أن‌ أبرّد ‌عليه‌ جلده‌ الذي‌ ‌كان‌ باردا».
‌    فإن‌ ظاهر ‌قوله‌ ‌"عليه‌ السّلام‌": «ذهب‌ بحقّك‌ الذي قتله‌»، يعطي‌ انتقال‌ الدين‌ إلى ذمة القاتل‌ و‌أنه‌ ‌هو‌ المطالب‌ ‌به‌.
واحتمال‌ التجوّز باعتبار حيلولة القاتل‌ بينه‌ و‌بين‌ وفاء الدين‌ بسبب‌ قتله‌، فكأنه‌ ذهب‌ ‌به‌ ينافيه‌ ‌قوله‌ ‌"عليه‌ السّلام": «أريد ‌أن‌ أبرد جلده‌ [‌الذي‌] ‌كان‌ باردا» فإنه‌ يقتضي‌ براءة ذمته‌ ‌من‌ الدّين‌ ‌كما‌ ‌هو‌ ظاهر، و‌أن‌ إعطاء الإمام‌ ‌"عليه‌ السّلام" ‌عنه‌ ‌ذلك‌ ‌إنّما‌ ‌هو‌ تفضل‌ وتكريم‌ للمعلّى‌، وإلا فذمّته‌ خلية وعهدته‌ برّية.
    وبالجملة، فظاهر الخبر الدلالة على ‌ما قلنا ‌إلا‌ بتكلف‌ وإخراج‌ ‌عن‌ الظاهر، وارتكاب‌ التأويلات‌ و‌إن‌ بعدت‌، والتكلّفات‌ و‌إن‌ غمضت‌ ‌غير‌ عسير، إلا ‌إن‌ الاستدلال‌ ‌إنّما‌ يبني‌ على ظاهر المقال‌، وارتكاب‌ التأويل‌ ‌إنّما‌ ‌يكون‌ ‌عند‌ معارض‌ أقوى‌ ‌في‌ ‌ذلك‌ المجال‌، و‌هو‌ هنا مفقود ‌كما‌ ‌لا‌ يخفى على ذوي‌ الكمال‌.
‌    نعم‌، ‌الحكم‌ المذكور غريب‌؛ لعدم‌ تصريح‌ أحد ‌من‌ معتبريهم‌ ‌به‌، ‌بل‌ ربما ‌كان‌ ‌فيه‌ نوع‌ مخالفة لمقتضى‌ القواعد المقررة عندهم‌ ‌من‌ ‌عدم‌ عدّ القتل‌ ‌في‌ النواقل‌ الشرعية إلا ‌إن‌ مثله‌ ‌في‌ الأحكام‌ الشرعية ‌غير‌ عزيز؛ فإنه‌ ‌قد‌ دلت‌ الأخبار وصرّح‌ ‌به‌ الأصحاب‌ على ‌أنّه‌ ‌لو‌ أوصى‌ شخص‌ إلى آخر ومات‌ ‌قبل‌ بلوغ‌ الخبر الوصي‌، وجب‌ على الوصي‌ القبول‌ والقيام‌ ‌بما‌ أوصى ‌بما‌ الميت‌ ‌إليه‌.
    و‌فيه‌‌ -‌ ‌كما‌ ترى‌‌ -‌ إثبات‌ حق‌ وإيجابه‌ على الغير ‌من‌ ‌غير‌ موجب‌، سوى تعيين‌ الميّت‌ وجعله‌ وصيّا، و‌هو‌ مخالف‌ لمقتضى‌ قواعدهم‌ ‌أيضا‌، فإنه‌ ‌لم‌ يعهد ‌في‌ الأحكام‌ الشرعية اشتغال‌ ذمة شخص‌ بمجرد قول‌ شخص‌ آخر، وإثبات‌ يد وتسلط على ‌من‌ ‌لا‌ سبيل‌ ‌عليه‌ بوجه‌ شرعي‌.
    وبالجملة، فمع‌ وجود الدليل‌ على ‌الحكم ‌‌-‌ ‌كما‌ ذكرنا‌ -‌ ‌لا‌ ينبغي‌ الاستبعاد وتخصيص‌ ‌ما يدّعى‌ ‌من‌ القواعد الشرعية الدالة على خلاف‌ ‌ذلك‌ ممكن‌، ‌كما‌ ‌هو‌ متفق‌ ‌عليه‌ بينهم‌ ‌في‌ ‌غير‌ مقام‌.
‌    فإن‌ قيل‌: ‌إن‌ ‌قوله‌ سبحانه:‌ ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ أخرى ينافي‌ ‌ذلك‌.
قلنا: مقتضى‌ ‌قوله‌ سبحانه:‌ (مَن‌ قَتَل‌َ نَفساً بِغَيرِ نَفس‌ٍ أَو فَسادٍ فِي‌ الأَرض‌ِ فَكَأَنَّما قَتَل‌َ النّاس‌َ جَمِيعاً).
    و‌ما روي‌ ‌عنه‌ "صلى اللّه‌ ‌عليه‌ وآله": ‌أن‌ «‌من‌ سن‌ّ سيئة ‌كان‌ ‌عليه‌ وزرها ووزر ‌من‌ عمل‌ ‌بها‌ إلى يوم‌ القيامة» الدالة على ‌أنه‌ بالدلالة والتسبيب‌ الذي ‌هو‌ وزره‌ ‌يكون‌ مستوجبا لحمل‌ وزر ‌من‌ تبعه‌ ‌في‌ ‌ذلك‌، يخصص‌ الآية المذكورة إذ ‌كما‌ خصّت‌ بالآية والخبر، ‌فلا‌ مانع‌ ‌من‌ تخصيصها بظاهر الآية المتقدّمة والخبرين‌ السابقين‌.
    ‌هذا‌ غاية ‌ما يمكن‌ الاستدلال‌ ‌به‌ ‌في‌ ‌هذا‌ المجال‌ و‌به‌ يعلم‌ ‌أن‌ المسألة ‌لا‌ تخلو ‌من‌ شوب‌ الإشكال‌، واللّه‌ تعالى وأولياؤه‌ أعلم‌ بحقيقة الحال‌.
المصدر: كتاب: الدرر النجفية - الشيخ يوسف البحراني
‏"قدس سره الشريف"

تواصل معنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *