في بيان ليلة القدر وبعض ما يتعلق بها

⛔️ من كتاب جامع الاحكام في الاعتكاف والصيام:

تلخيصا لأبحاث المحدّث الشيخ يوسف البحراني "قدس سره"‏ في كتابه: (الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة) حول ليلة القدر:
📚 خاتمة الكتاب
في بيان ليلة القدر وبعض ما يتعلق بها:
🖌 (المسألة 165): لا يخفى أن بعض الأخبار قد إشتمل على إخفاء ليلة القدر بالكلية، وعدم الإعلام بها مع السؤال عنها، وجملة من الأخبار قد اشتملت على إخفائها في ليلتين أو ثلاث، وجملة منها قد صرحت بها.
   ولعل الوجه في ذلك أن السبب في إخفائها هو دفع المؤمن وتشجيعه ليستوعب الشهر كله بالأعمال الصالحة، وهذا هو الأنسب بسائر الناس، فإنهم متى علموها على الخصوص فلربما رغبوا عن العمل في غيرها إيثارا لها بذلك، وأما من عرف حرمة الشهر ووفّاه أعماله فهؤلاء الخواص، وقد أخفيت لهم في ليلتين أو ثلاث ليوفوا هذه الليالي الشريفة أعمالها، لأن بعضها لم يكن ليلة القدر إلا أنه من القريب من مرتبتها، وأما من بينت له بالخصوص فهم خواص الخواص الذين يعلم منهم القيام بأعمال تلك الليالي الشريفة وإن علموا خلوها من ليلة القدر.
🖊 (المسألة 166):  تضمن بعض الأخبار أن العمل في ليلة القدر خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، فالمراد بهذه الألف شهر هي ملك بني أمية كما دل على ذلك بعض الأخبار، وبذلك صرح الإمام الصادق (ع) في حديث   قال فيه: (وأنزل الله في ذلك: إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر   تملكها بنو أمية ليس فيها ليلة القدر).
   وأما كون مدة ملك بني أمية ألف شهر فبيانه: إن المستفاد من كتب السير والأخبار أن أول إنفراد بني أمية بالأمر بعد ما صالح الحسن (ع) معاوية، وهو سنة أربعين من الهجرة، وكان إنقضاء دولتهم على يد أبي مسلم الخراساني سنة إثنين وثلاثين ومائة من الهجرة، فكانت مدة دولتهم إثنين وتسعين سنة، رفع منها مدة خلافة عبدالله بن الزبير وهو ثمان سنين وثمانية أشهر، بقي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر بلا زيادة ولا نقصان، وهي ألف شهر.
🖍 (المسألة 167): الظاهر من الأخبار -كما هو المشهور أيضا- أن ليلة القدر هي الليلة الثالثة والعشرون من شهر رمضان الشريف.
🖊 (المسألة 168): الأظهر أن ليلة القدر إنما سميت بهذا الإسم لأنها الليلة التي يحكم الله تعالى فيها ويقضي بما يكون في السنة بأجمعها من كل أمر، وهي الليلة المباركة في قوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) لأن الله تعالى ينزل فيها الخير والبركة والمغفرة.
🖌 (المسألة 169): إختلف العلماء في المقصود من الآية الشريفة (إنا أنزلناه في ليلة القدر) مع أنه إنما أنزل على الرسول (ص) نجوما موزعة على طول مدة حياته، والظاهر –عندنا- أن الله تعالى أنزل القرآن جملة واحدة في اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم كان ينزله جبرئيل (ع) على النبي (ص) نجوما، وكان من أوله إلى آخره ثلاث وعشرون سنة.
🖍 (المسألة 170): روى الكليني (ره) في الكافي عن   إسحاق بن عمار، قال : (سمعته يقول وناس يسألونه يقولون: الأرزاق تقسم ليلة النصف من شعبان ؟ قال: ، فقال: لا والله ما ذلك إلا في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين، فإن في تسع عشرة يلتقي الجمعان وفي ليلة إحدى وعشرين يفرق كل أمر حكيم وفي ليلة ثلاث وعشرين يمضي ما أراد الله عزوجل من ذلك، وهي ليلة القدر التي قال الله تعالى خير من ألف شهر، قال: قلت: ما معنى قوله يلتقي الجمعان ؟ قال: يجمع الله فيها ما أراد من تقديمه وتأخيره وإرادته وقضائه. قال: قلت: فما معنى يمضيه في ثلاث وعشرين ؟ قال: إنه يفرقه في ليلة إحدى وعشرين ويكون له فيه البداء، فإذا كان ليلة ثلاث وعشرين أمضاه فيكون من المحتوم الذي لا يبدو له فيه).
   ولعل المعنى في قوله (ع): (في ليلة تسع عشرة يلتقي الجمعان..إلخ) -والله تعالى وأولياؤه أعلم بباطنه وخافيه- أن في ليلة تسع عشرة يجمع بين طرفي كل حكم بالإيقاع واللاإيقاع، وفي ليلة إحدى وعشرين يفرق بينهما بالمشيئة لأحدهما دون الآخر لكن لا على جهة الحتم بل على وجه يدخله البداء، وفي ليلة ثلاث وعشرين يمضي ذلك حتما على وجه لا يدخله البداء.
   وفي معنى هذا الخبر- وإن كان بألفاظ أخر- ما رواه في الكافي عن زرارة   قال : (قال أبو عبدالله (ع):  التقدير في ليلة تسع عشرة، والإبرام في ليلة إحدى وعشرين، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين).
   وما رواه في الكافي والصدوق في الفقيه أيضا عن أبي عبدالله   (ع)، قال: (في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان التقدير، وفي ليلة إحدى وعشرين القضاء، وفي ليلة ثلاث وعشرين إبرام ما يكون في السنة إلى مثلها، ولله تبارك وتعالى أن يفعل ما يشاء في خلقه).
   فالتقدير في هذين الخبرين عبارة عن إستحضاره بكميته وكيفيته مع عدم الترجيح بين ما في الوجود والعدم، وهي المرتبة الأولى المشار إليها في الخبر المتقدم بالتقاء الجمعين، والمرتبة الثانية التي تقع في ليلة إحدى وعشرين ترجيح أحد الطرفين وهي المعبر عنها في أول هذين الخبرين بالإبرام وفي ثانيهما بالقضاء، وإطلاق الإبرام هنا وقع تجوزا بإعتبار الترجيح، والمرتبة الثالثة في ليلة ثلاث وعشرين وهي الإمضاء والإبرام الحقيقي الذي لا يدخله البداء.
   والمفهوم من الأخبار أن هذه المراتب في أفعاله عزوجل مطلقا، وأنه لا يكون فعل إلا بها وربما زيد عليها أيضا، فقد روى في الكافي عن   علي بن إبراهيم الهاشمي، قال: (سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (ع) يقول: لايكون شيء إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى. قلت: ما معنى شاء ؟ قال: إبتداء الفعل. قلت: ما معنى أراد ؟ قال: الثبوت عليه. قلت: ما معنى قدر ؟ قال: تقدير الشيء من طوله وعرضه. قلت: ما معنى قضى ؟ قال: إذا قضى أمضاه فذلك الذي لا مرد له). 
🖌 الشيخ جعفر الشارقي

تواصل معنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *