من هو كثير السفر الذي يتم في صومه وصلاته؟
⛔ مسألة شرعية:
تم توجيهها إلى المحدث الشيخ يوسف البحراني "قدس سره الشريف":
🔵 السؤال: ما قول شيخنا في كثير السفر هل هو من كان سفره أكثر من حضره؟
وإن أقام عند أهله في بلاده أو غير بلاده الشهرين والثلاثة والأكثر أو الأقلّ أو من غلب سفره على حضره و لم يقم عند أهله عشرة في غير بلده كما هو المشهور بين الأصحاب، وما قولك في زمان التردّد لو مضى له شهر كذلك هل يقطع سفره كإقامة العشرة بحيث لو سافر يقصر في صلاته أم لا؟ أفتنا أيّدك الله.
🛑 الشيخ يوسف البحراني:
الجواب ومنه سبحانه التوفيق لإصابة الصواب:
إنّ هذه المسألة من مشكلات المسائل وأُمّهات المعاضل لما سيظهر لك إن شاء الله تعالى في المقام، والذي وقع في كلام الأصحاب هو التعبير عن هذا الصنف بكثير السفر تارة وبمن كان سفره أكثر من حضره أخرى، ولهم في تفسير الكثرة اختلاف بين الرجوع فيها إلى العرف وصدق الاسم عرفاً وبين الحصول بالثلاث وبين الفرق بين ذوي الصنعة، فالقول الأوّل وغيره فالثاني وبين الحصول بالثنتين فيتمّ في الثالثةو لم نقف لهم في هذه الأقوال على حجّة يعتمد عليها أزيد من ادّعاء كلّ منهم دلالة العرف على ما يدّعيه وفيه ما لا يخفى على الفطن النبيه.
📌 والمستفاد من الأخبار هو صدق الاسم بأحد العنوانات المذكورة فيها.
وهذه جملة من أخبار المسألة نتلوها عليك ليظهر لك صحّة ما ألقيناه إليك.
فمنها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: ليس على الملّاحين في سفينتهم تقصير ولا على المكاري والجمّال.
وفي الصحيح أو الحسن عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: المكاري والجمّال الذي يختلف وليس له مقام يتمّ الصلاة ويصوم شهر رمضان.
وعن زرارة بأسانيد فيها الصحيح والحسن قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر كانوا أو حضر: المكاري والكري والراعي والأشتقان لأنّه عملهم،.
والكري هنا بمعنى المكتري فقيل بمعنى مفتعل وإن كان يستعمل في المعنى الآخر أيضاً، وقد صرّح ابن إدريس أنّه من الأضداد والاشتقان قيل هو أمين البيادر.
وفي الفقيه إنّه البريد.
ويستفاد من هذا الخبر أنّ وجوب الإتمام على هؤلاء من حيث أنّه عملهم، وفيه دلالة على أنّ من كان السفر عمله لهذه الأُمور المذكورة أو غيرها فإنّه يجب عليه الإتمام.
وفي هذا الخبر ونحوه ما يشير إلى [أن] مناط الإتمام إنّما هو ذلك لا من حيث الكثرة كما ذكره الأصحاب فإنّه يجب عليه الإتمام.
وعن إسحاق بن عمّار قال: سألته عن الملّاحين والأعراب هل عليهم تقصير؟ قال: لا، بيوتهم معهم.
وفي الصحيح عن سليمان بن جعفر الجعفري عن من ذكره عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: الأعراب لا يقصّرون وذلك أنّ منازلهم معهم.
وفي هذين الخبرين ما يؤيّد سابقهما.
وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: أصحاب السفن يتمّون في سفنهم.
وروى الصدوق (قدس سره) في كتاب الخصال في الصحيح عن ابن أبي عمير يرفعه إلى أبي عبدالله (عليه السلام) قال: خمسة يتمّون في سفر كانوا أو حضر المكاري والكري والأشتقان وهو البريد والراعي والملّاح لأنّه عملهم.
والظاهر أنّ هذا الخبر مستند الصدوق في تفسيره الاشتقان بالبريد، والمشهور أنّه أمين البيادر كما قدّمنا قالوا وهو معرب دشتبان أي أمين البيادر.
📌 والمستفاد من هذه الأخبار هو أنّ المدار في وجوب الإتمام على صدق أحد هذه العنوانات أو كون السفر عادته، والمفهوم من كلام جملة منهم (رضوان الله عليهم) أنّ الضابط في حصول الكثرة التي يترتّب عليها وجوب الإتمام هو أن يسافر ثلاث مرّات بحيث ينقطع سفره بعد الاولى والثانية إمّا بالوصول إلى بلده أو إلى موضع يعزم فيه الإقامة ثمّ يتجدّد له بعد الصلاة تماماً عزم السفر ولا يفصل بين هذه الدفعات الثلاث بالإقامة عشرة في بلده مطلقاً وفي غير بلده مع نيّة الإقامة فإنّه يجب عليه التمام في الدفعة الثالثة ويبقى الحكم مستمرّاً إلى أن يقيم عشرة على أحد الوجهين المتقدّمين.
والذي نصّ عليه الشيخ وجملة ممّن تبعه في قطع التمام في الإبتداء أو بعد إتمام الثلاث إنّما هو إقامة العشرة في بلده.
وألحق العلّامة وقبله المحقّق في النافع ومن تبعهما العشرة المنوية في غير بلده.
وألحق الشهيد ومن تبعه العشرة الحاصلة بعد التردّد ثلاثين يوماً أي مضيّ أربعين يوماً في غير بلده متردّداً أو عازماً على السفر.
وقيل بالاكتفاء بمضيّ الثلاثين متردّداً.
📌 ثمّ إنّ الشيخ وأتباعه صرّحوا أيضاً بأنّه لو أقام خمسة في بلده قصر نهاراً صلاته دون صومه وأتمّ ليلًا.
وتوقّف في هذا الحكم من أصله جملة من محقّقي متأخّري المتأخّرين أوّلهم على الظاهر السيّد السند في المدارك ثمّ المحدّث الكاشاني والفاضل الخراساني.
واستند الأصحاب فيما ذكروه من أصل الحكم وهو انقطاع إتمام كثير السفر بإقامة عشرة في بلده إلى ما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: المكاري إن لم يستقرّ في منزله إلّا خمسة أيّام وأقلّ قصّر
في سفره بالنهار وأتمّ بالليل وعليه صوم شهر رمضان وإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيّام قصّر في سفره وأفطر.
📌 وأنت خبير بأنّ هذه الرواية مع ضعف سندها المانع من قيامها بمعارضة الأخبار الصحيحة الصريحة في وجوب الإتمام على المكاري ونحوه واشتمالها على ما لا يقول به أحد من الأصحاب من وجوب التقصير بإقامة أقلّ من خمسة الصادق على اليوم واليومين فهي غير دالّة على ما يدّعونه
أمّا أوّلًا: فإنّ موردها المكاري خاصّة والمدّعي أعمّ منه.
وأمّا ثانياً: فلأنّها إنّما تضمّنت إقامة العشرة في البلد الذي يذهب إليه والمدّعي إقامة العشرة في بلده.
وأمّا ثالثاً: فإنّ ظاهر الخبر أنّه إذا كان له إرادة المقام في البلد الذي يذهب إليه قصر في سفره إليه، واللازم من ذلك التقصير قبل الإقامة بل بمجرّد العزم عليها وجميع ذلك خارج عن ما يقولون به.
نعم إنّ الصدوق في الفقيه روى هذه الرواية في الصحيح بنحو آخر قال: المكاري إذا لم يستقرّ في منزله إلّا خمسة أيّام أو أقلّ قصّر في سفره بالنهار وأتمّ صلاة بالليل وعليه صوم شهر رمضان فإذا كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيّام أو أكثر وينصرف إلى منزله ويكون له مقام عشرة أيّام أو أكثر قصّر في سفره وأفطر.
ومقتضى ظاهر هذه الرواية زيادة على ما تقدّم اعتبار إقامة العشرة في منزله مضافة إلى العشرة التي في بلد الإقامة وترتّب القصر على الإقامتين، وهو أشدّ إشكالًا وأقوى اعضالًا.
وممّا ورد في المسألة أيضاً رواية يونس عن بعض رجاله عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن حدّ المكاري الذي يصوم ويتمّ قال: أيّما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقلّ من عشرة أيّام وجب عليه الصيام والتمام وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيّام فعليه التقصير والإفطار.
وهذه الرواية مع ضعف سندها وإن كانت عارية عن الإشكالات المتقدّمة إلّا أنّها تضمّنت الرجوع إلى التقصير بالإقامة في غير بلده أيضاً.
وقد عرفت من كلامهم كما هو المشهور بين المتقدّمين التخصيص ببلده.
ويمكن أن تكون هذه الرواية هي معتمد العلّامة ومن تبعه في إلحاق العشرة المنوية في غير بلده بإقامة العشرة في بلده لكن الرواية ضعيفة السند جدّاً، ومن شأن أصحاب هذا الاصطلاح المحدث ولا سيّما العلّامة الذي هو أصله ومؤسِّسه عدم العمل على مثل هذه الرواية والخروج بها عن تلك الأخبار الصحاح الصراح المشار إليها قد استفاضت بوجوب الإتمام على المكاري ونحوه من تلك الأفراد المعدودة فيها، ومقتضاها ثبوت الحكم واستمراره ما دام الاسم باقياً والعادة جارية والخروج عنها بهذين الخبرين مع ما عرفت من الإشكالات المتقدّمة مشكل أو مجرّد دعوى اتفاق الأصحاب مع خلوّه عن الدليل و هو أشكل.
نعم لو كان هذان الخبران موافقين لكلام الأصحاب ومعتضدين باتّفاقهم ومجتمعين معه على أمر واحد لقوي الاعتماد عليهما في تخصيص تلك الأخبار إلّا أنّ الأمر كما عرفت ليس كذلك.
وكيف كان فقد ظهر لك ضعف القول بإلحاق الثلاثين المتردّد فيها أو العشرة الحاصلة بعد التردّد ثلاثين يوماً بالعشرة المنوية في بلد الإقامة حيث إنّ هذه روايات المسألة التي ذكرناها، وهي عارية عن الإشارة إلى ذلك فضلًا عن التصريح به. والله العالم.
المصدر: مخطوط الأنوار الحيرية
للمحدث الشيخ يوسف البحراني "قدس سره الشريف"