هل يوجد فرق بين المدن الكبيرة والمدن الصغيرة في ‏أحكام القصر؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى اللهُ على سيدِنا محمّدٍ وآلهِ الطيبينَ الطاهرين.. وبعد.

🖍 فقدْ سأَلَنَا بعضُ الأَحْبَّةِ ‏من بلدِنا الثاني “العِرَاق” عن حُكمِ المُدنِ الكبيرةِ في صلاةِ السفر، ‏وهلْ يُوجدُ فرقٌ بينها وبينَ المدنِ المتوسطةِ والصَّغيرة، وطلبَ منّا بَيَانَ فتوى المُحدّثِ الشيخ ‏يوسف البحراني ‏”قدس سره” بشَكلٍ مُفَصَّلٍ مع الإشارةِ إلى الأدلّةِ الشرعيةِ التي اعتَمدَ عليها في فتواه.

⛔️ ‏ونقولُ في الجَواب:

‏إنَّ من ضِمنِ شَرائطِ صلاةِ القصرِ التي ينصُّ عليها الفقهاء:

(شرطُ بلوغِ محلِّ الترخّص): بأن يكونَ المكلَّفُ قاصداً قَطْعَ المسافةِ الشرعيةِ ثم يخرُجُ من بلدهِ أو البلدِ الذي أقامَ فيه، فإذا وَصَلَ إلى المَوضعِ الذي لا يَسمعُ فيهِ الأَذانَ أو لا يَرَى أَهلَ البيوتِ المتواجِدينَ في آخرِ ذلكَ البلدِ كانَ الواجبُ عليهِ ‏الالتزامَ بأَحكامِ المُسافرِ، ومنها التقصِيرُ في صلاتِه.

‏طبعاً معَ مُراعاةِ ‏الصوتِ الطبيعي، فلا عِبْرَةَ بسماعِ الأذانِ المُفْرطِ في العُلُوِّ كما لا عِبْرَةَ بخَفاءِ الأذانِ المُفْرطِ في الإنخفاض.

‏وهكذا الحكمُ إذا كانَ المكلفُ مسافراً ثم رجعَ إلى بلدهِ ووَصلَ إلى ذلكَ المَوضعِ فينقطعُ سفرُهُ ويَرجعُ إلى حُكمِ التَّمامِ ‏على الرأَي المشهور.

‏(وللعلم: إن السفرَ لا ينقطعُ حسبَ فتوى الشيخ “قدس سره” إلا بالوُصولِ ‏إلى منزلهِ).

🔻 ‏وقد حَصَلَ الخلافُ بينَ الفقهاءِ في حكمِ المُدنِ الكبيرةِ، هلْ هو نفسُ حكمِ المدنِ الصَّغيرةِ والمتوسّطةِ أمْ لها حكمٌ آخر؟

🔻 وبشيءٍ من التَّفصِيلِ نَقولُ:

‏لو كانَ المكلفُ يعيشُ في‏ مدينةٍ كبيرةٍ ‏تحتوي على أحياءَ عديدةٍ وقرَى مختلفةٍ كبغدادَ أو طهرانَ مثلاً وقصدَ قَطْعَ المسافةِ ‏الشرعيةِ ثم خَرجَ من ‏الحَيِّ أو القريةِ التي يسكنُها حتى وصلَ إلى المَوضعِ الذي لا يَسمعُ فيهِ أَذانَها أو لا يَرى أَهلَ بيوتِها المُتواجِدينَ في آخرِ ‏ذلكَ الحَيِّ أو تلكَ القريةِ، هلْ يجبُ عليهِ أن يَبدأَ في حكمِ القصرِ ‏معَ أنهُ لا زالَ ضمنَ نِطَاقِ المدينةِ الأُم؟ ‏أمْ أنهُ لابدَّ أن يَتجاوزَ حدودَ المدينةِ‏ الأُم عند آخرِ مَحلَّةٍ منها في طريقِ خروجهِ ‏ويصلُ إلى ذلكَ الموضعِ ‏الذي يَخفى عليه فيهِ أَهلُها وأَذانُها؟

‏🔻 وبتعبيرٍ آخر: هلْ يُوجدُ فرقٌ في ‏بُلوغِ محلِّ الترخُّصِ بينَ المدنِ الكبيرةِ والمدنِ الصغيرةِ ‏أو المتوسطةِ، ‏أمْ أنَّ الحكمَ في الجَميعِ واحدٌ؟

🔻 مِنَ الفقهاءِ مَنْ فرَّقَ في الحكمِ بينهما، ومنهمْ منْ قالَ بأنَّ الحكمَ في الجميعِ واحدٌ.

ومِمَّنْ تَبنَّى ‏القولَ الثاني وهو عدمُ التفريقِ بينَ المدنِ في الحكمِ المحدّثُ البحراني ‏”قدس سره” فقدْ قالَ بأنَّ إطلاقَ الرواياتِ الشَّريفةِ وعدمِ ورودِ تفصيلٍ بينهما مع ‏الإلتفاتِ إلى أنَّ هذهِ المسألةِ من المسائلِ الابتلائِيَّةِ، كما إِنّ الأَصلَ بَراءةُ الذِمَّةِ ‏من وجوبِ مراعاةِ الحَيّ أو القريةِ ‏دونَ المدينةِ، وكلُّ ذلكَ مما يَقتضِي عدمَ الفَرقِ بينهما ‏في الحُكم.

ويُضافُ إلى ذلكَ: إنَّ التَّفريقَ بينهما ‏في الحكمِ ممَّا يَستلْزمُ وقوعَ المكلفِ في العُسرِ والحَرجِ ‏-كما سيأتي قريبا- وهو منفيٌّ في الآياتِ الشريفةِ والرواياتِ المُنيفة.

🔻 ‏ومَعْنَى ذلكَ أَنَّ منْ ‏يَرجِعُ إلى المحدّثِ البحراني “قدس سره” ‏في التَّقليدِ لا يشملُهُ حكمُ القصرِ حتى يتجاوزَ حدودَ المدينةِ‏ الأمِّ عند آخرِ حيٍّ أو ‏قريةٍ منها في طريقِ خروجهِ ‏ويصلَ إلى ذَلِكَ الموضعِ ‏الذي يخفى عليهِ فيهِ أهلُها وأذانُها.

🔻 ومنَ الآثارِ المُترتِّبةِ على هذا الاختلافِ ‏بالإضافةِ إلى ما تقدّم:

1- لو عزَمَ ‏المكلفُ على الإقامةِ عشرةَ أيامٍ في مدينةٍ كبيرةٍ ‏فعَلَى القولِ بالفرقِ بين المدنِ الكبيرةِ والصغيرةِ لا يجوزُ له ‏تَجاوزُ حَدِّ الترخّصِ بالخروجِ من حَيٍّ إلى حَيٍّ آخر ‏ومن قريةٍ إلى قريةٍ أُخرى لأنَّ ذلكَ يُؤدي إلى خرمِ نيةِ الإقامةِ وبُطلانِها.

ولا شكَّ أن منعَ المسافرِ المقيمِ من الترَدُّدِ في البلدِ لقضاءِ حوائجهِ ومَطالِبهِ كما هو الغالبُ الذي عليهِ كافةُ النَّاسِ مما يُوجبُ ‏الوُقوعَ في العُسرِ والحَرجِ.

‏بينما على القولِ بعدمِ الفرقِ يجوزُ لهُ الخروجُ من الحَيِّ ‏أو القريةِ والرجوعُ إليهِما ‏ولا تبطلُ نيةُ إقامتهِ ما دامَ لم يخرجْ عن حدودِ المدينةِ الأم.

2- ما لو كانَ المكلفُ يسكنُ في مدينةٍ كبيرةٍ ‏وخرجَ من ‏الحيِّ ‏أو القريةِ الذي يسكنُ فيها ‏قاطعاً المسافةَ الشرعيةَ إلى حيٍّ آخر في ضمنِ نطاقِ المدينةِ الكبيرةِ فعلى القولِ بالتفريقِ بينَ المدينةِ الصغيرةِ ‏أو المتوسطةِ وبينَ المدينةِ الكبيرةِ ‏يكونُ الواجبُ عليهِ هوَ القصرُ في الصلاةِ والإفطارُ في الصيامِ.

بينما على القولِ الثاني الذي يتَبنَّاهُ المحدّثُ الشيخُ البحراني ‏”قدس سره” وبعضُ الفقهاءِ لا يُعتبرُ ‏قَطْعُ تلكَ المسافةِ سفَراً ‏شرعياً وإنْ بلغَ ‏ما قطعَهُ مَسافةً شَرعيَّةً كامِلَةً (ثمانيةَ فراسخَ) ‏أو أكثر ‏منْ ذلك.

🖌 الشيخ جعفر الشارقي

تواصل معنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *