بحث حول حكمِ القمار والألعاب ‏القمارية وغيرها وخصوصا ‏الكيرم والدومينو

🟢 وردتني عدةُ أسئلةٍ من ‏بعضِ الإخوانِ والأحبّةِ من مقلدي المحدّثِ الشيخ يوسف البحراني “قدس سره” كلّها يسألُ عن حكمِ الألعابِ عموما، ‏وعن لعبتي ‏الكيرم والدومينو ‏على وجهِ الخصوص.

⛔️ ونقولُ في الجوابِ عليها:

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [90] إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ [91]). المائدة | الآية: 90-91

🔻 مما اتَّفقَ عليهِ كلُّ فقهاءِ الشيعةِ القولُ بحرمةِ القمارِ بكلِّ أنواعهِ ‏وأشكالهِ ‏واللعبِ بكل ‏وسائلهِ وآلاتهِ كالنردِ، والشطرنجِ، والأربعة عشر، واللعبِ بالخاتم، حتى لعبَ الصبيانِ بالجوزِ وغيرها مما اتُّخِذَ وأُعِدَّ للمقامرةِ به من ‏ألعابٍ ووسائل.

وهذا ما تبنّاهُ المحدّثُ البحراني “قدس سره”.

‏🔻 وإنما حصلَ الإتفاقُ على هذا الحكمِ نظراً لكثرةِ ما وردَ من الرواياتِ الشريفةِ عن النبي “صلى الله عليه وآله” والأئمةِ المعصومينَ “عليهم السلام” في هذا المجالِ، ومنها:

1- روي عن أبي عبيدة الحذاء قال: سألتُ أبا عبدالله “عليه السلام” عن قول الله عزوجل: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ) فقال: كانت قريشُ يقامرُ الرجلُ بأهلهِ ومالهِ، فنهاهمُ اللهُ عزوجل عن ذلك.

2- عن جابر عن أبي جعفر “عليه السلام”، قال: لما أنزلَ الله عزوجل على رسول الله “صلى الله عليه وآله” (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) قيل: يا رسولَ الله ما الميسرُ؟ فقال: ما تُقُومِرَ به حتى الكعاب والجوز. قيل: فما الأنصابُ؟ قال: ما ذبحوهُ لآلهتهم. قيل: فما الأزلامُ؟ قال قداحُهم التي يستقسمونَ بها.

3- عن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبدالله “عليه السلام”: الصبيانُ يلعبونَ بالجوزِ والبيض، ويقامرونَ. فقال: لا تأكلْ منه فإنهُ حرامٌ.

4- عن السكوني عن الصادق “عليه السلام” قال: نهى رسولُ الله “صلى الله عليه وآله” عن اللعبِ بالشطرنجِ والنرد.

5- عن أبي بصير عن الصادق “عليه السلام” قال: قال أمير المؤمنين “عليه السلام” النردُ والشطرنجُ هما الميسر.

‏🔻 وكما يحرمُ القمارُ واللعبُ ‏بألعابِ القمارِ، كذلكَ يحرمُ حضورُ المجالسِ التي يلعبُ فيها بل حتى النظرَ إليها ‏والسلامَ عليهم حالَ ‏المقامرةِ محرمٌ كما أكّدتهُ الرواياتُ التالية:

1- عن حماد بن عيسى قال: دخل رجل من البصريين على أبي الحسن الأول “عليه السلام” فقال له: جعلت فداك، إني أقعدُ مع قومٍ يلعبون بالشطرنج، ولستُ ألعبُ بها، و لكن أنظر. فقال، مالكَ ولمجلسٍ لا ينظرُ الله إلى أهله.

2- عن سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضا “عليه السلام”، قال: المطَّلعُ في الشطرنج كالمطَّلعِ في النار.

3- عن أبي بصير عن الصادق “عليه السلام”، قال: بيعُ الشطرنج حرامٌ، وأكلُ ثمنهِ سحتٌ، واتخاذُها كفرٌ، واللعبُ بها شركٌ، والسلامُ على اللاهي بها معصيةٌ وكبيرةٌ موبقةٌ، والخائضُ فيها يدَهُ كالخائضِ يده في لحمِ الخنزير، ولا صلاةَ له حتى يغسلَ يدَهُ كما يغسلها من لحم الخنزير، والناظرُ إليها كالناظرِ في فَرجِ أمهِ، واللَّاهِي بها والناظرُ إليها في حالِ ما يلهى بها والسلام على اللَّاهِي بها في حالتهِ تلكَ في الإثمِ سواءٌ.

ومن جلسَ على اللعب بها، فقد تبوأَ مقعدَهُ من النار، وكان عيشُهُ ذلك حسرةً عليه في القيامة.

وإيَّاكَ ومجالسةَ اللَّاهِي والمغرورِ بلعبِها، فإنها من المجالسِ التي باءَ أهلُها بسخطٍ من الله، يتوقّعونَهُ في كل ساعةٍ فيعمّكَ معهم.

🔻 بعضُ ما يُستفادُ من الآيةِ والرواياتِ السابقةِ ‏وغيرها مما رويَ في كتابَي الكافي والوسائل:

• ‏أمرَ اللهُ تعالى عبادَهُ باجتنابِ المَيْسِرِ، وهو القمارُ.

• ‏نهى رسولُ الله “صلى الله عليه وآله” المسلمينَ عن القمار.

• حرمةُ القمارِ كحرمةِ الخمرِ والأنصابِ والأزلام.

• القمارُ أكلٌ للمالِ بالباطلِ ‏وهو حرامٌ بنصِّ الآيةِ الشريفة.

• المَيْسِرُ هو القِمَار وآلاتُهُ.

• ‏أموالُ القمارِ سُحْتٌ ‏لا يجوزُ أكلُها مطلقا.

• النردُ والشطرنجُ ‏من الألعابِ القِمَاريّة.

• نهى ‏الائمةُ المعصومونَ “عليهم السلام” المسلمينَ عن القمارِ ‏والجلوسِ في مجالسهِ.

• ‏اللَّاعبُ بالقمارِ والجالسُ معهُ والناظرُ كلُّهم في الاثمِ سواءٌ، ولا ينظرُ اللهُ ‏إليهم برحمتهِ، ويتوقعونَ نزولَ اللعنةِ والعذابِ عليهم في كلّ لحظة.

• لايجوزُ بيعُ ‏آلاتِ القمار، كما لا يجوزُ أكلُ ثمنِها وهي سحت.

‏إلى غيرِ ذلكَ مما يمكنُ استفادتهُ من هذهِ الرواياتِ الشريفة.

‏🔻 ثم نقولُ:

إن الألعابَ ‏-القديمةَ والحديثةَ- على قسمين:

القسمُ الأول:

‏الألعابُ والآلاتُ التي أُعِدَّتْ واتُّخِذَتْ للقمار كالشطرنجِ، وأوراقِ المقامرة، ‏وغيرها.

‏والحكمُ فيها هو حُرمةُ اللّعبِ بها مطلقا، سواءٌ مع الرهنِ ‏أو بدونهِ ‏حتى لمجرّدِ التسليةِ وإضاعةِ الوقت.

‏ولو قامرَ أحدهم وغلبَ أَثِمَ ولم يحلَّ له أخذُ الرهنِ عليها ‏فهو من السُّحْت، سواءٌ كان الرهنُ من المغلوبِ للغالبِ أم من شخصٍ آخر أجنبيٍ عنهما ‏أم كانتْ ‏المقامرةُ بين أشخاصٍ خارجينَ عن اللعبةِ أصلا، فلا يجوزُ ذلك في جميعِ الصورِ، ولا يحلُّ أخذُ الرهن.

القسمُ الثاني:

الألعابُ والآلاتُ التي لم تُعَدَّ ولم تُتَّخَذَ للقمارِ ‏كالمصارعةِ وكُرةِ القدمِ والقفزِ وحَملِ الأثقالِ وغير ذلك.

والحكمُ فيها هو حرمةُ اللعبِ بها مع ‏الرهن، ‏والجوازُ بدونِه.

🔻 وقد تسألُ:

‏ ما هو المعيارُ في تحديدِ الألعابِ المحرمةِ والجائزة؟

لماذا لا يفصّلُ المرجعُ الكلامَ حولَ هذه المسألةِ، فيذكرُ حكمَ كلّ لعبةٍ بشكلٍ واضح؟

🖍 فنجيبُ:

إنّ من المعلومِ أن وظيفةَ الفقيهِ هي استنباطُ ‏الأحكامِ الكلّيةِ وبيانُها للمكلّفِ، ولا يجبُ عليه أن ينصَّ على كل الأفرادِ والمصاديقِ ‏الخارجيةِ ‏المندرجةِ تحتَ تلكَ الأحكامِ، ‏بل لو أرادَ فعلَ ذلكَ لم يستطعْ ‏الإحاطةَ بها ‏لكثرتها وتنوعها وظهورِ الجديدِ منها ‏بشكلٍ مستمر.

وإن المعيارَ في تحديدِ موضوعاتِ الأحكامِ هو تشخيصُ المكلفِ نفسهِ، أو قيامُ حجّةٍ شرعيةٍ لديهِ على ذلك.

🔻 والنتيجةُ:

إن تشخيصَ حالَ اللّعبةِ هل ‏هي مما أُعدَّ للقمارِ أو ليستْ كذلكَ يعتبرُ من الموضوعاتِ الخارجيّةِ التي يرجعُ الأمرُ فيها إلى تشخيصِ المكلفِ نفسهِ وما يطمئنُّ له بعد البحث، وعلى المكلفِ الذي لا يعرفُ حالَ كل لعبةٍ أن يرجعَ إلى من يعرف، وبناءً عليه يُطبِّقُ فتوى مرجعهِ ‏بالجوازِ أو الحرمة.

🔺 وأما ‏بالنسبةِ إلى ما كثرَ عنه السؤال:

‏فأقول: ‏إن تشخيصي من بعد البحثِ ‏عن حالِ لعبتي ‏الكيرم والدومينو أنهما ليسَتا من الألعابِ القِمَارِيَّةِ، وإنما يُلْعبُ بهما‏ غالباً للتسليةِ وإضاعةِ الوقتِ فقط.

🔺 وبناءً على ذلك:

يجوزُ اللعبُ بهما بشرطِ عدمِ الرهنِ والمقامرةِ فيهما، ‏وأن لا يكونَ اللعبُ بهما في وقتِ العبادة.

🔺 لكن لو ‏اختلفَ ‏تشخيصُ المكلفِ فاطمئنَّ بأنهما من الألعابِ القماريةِ حَرُمَ عليه اللعبُ بهما مع ‏الرهنِ أو بدونه.

‏📌 ومما يحسنُ أن نختمَ بحثنا به هذه الرواية الشريفة التي رواها المولى حيدر الشيرواني في مناقب أهل البيت ‏”عليهم السلام”‏عند ذكر الإمام الحسنِ العسكري “عليه السلام” قال:

ووقعَ لبهلول معه أنه رآهُ وهو صبيٌ يبكي والصبيان يلعبون، فظنَّ أنه يتحسّرُ على ما في أيديهم، فقال:

أشتري لك ما تلعبُ به؟

فقال: “يا قليلَ العقلِ ما للَّعبِ خلقنا”.

فقال له: فلماذا خلقنا؟

قال: “للعلمِ والعبادة”.

فقال له: من أينَ لكَ ذلك؟

قال: “من قولهِ تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ).

ثم سألهُ أن يعظهَ فوعظهُ بأبيات، ثم خرَّ الحسنُ ‏”عليه السلام” مغشيّاً عليه، فلما أفاق.

قال له: ما نزلَ بكَ وأنتَ صغيرٌ لا ذنبَ لك؟

فقال: ” إليكَ عني يا بهلول، إني رأيتُ والدتي تُوقدُ النارَ بالحطبِ الكبارِ فلا تقدُ إلا بالصغار، وإني أَخشى أن أكونَ من صغارِ حطبِ جهنّم”.

🖌 الشيخ جعفر الشارقي

‏10 يونيو 2020م

تواصل معنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *