مسألة الدعاء على الظالمين وأعداء الدين

‏⛔️ الشيخ جعفر الشارقي:

من المسائل التي وجهت إلى فقيه أهل البيت "عليهم السلام" المحدث الشيخ يوسف البحراني "قدس سره" وأجاب عليها بجواب مفصل، المسالة التالية:

الدعاء على الظالمين وأعداء الدين:

🔴 السؤال:

ما قول شيخنا فيمن يدعو على أعداء الدين وزوال ملكهم وخراب ديارهم وقلع آثارهم حتّى لا يبقى لهم ملك كبير ولا صغير ويكون لنا في ذلك الفرج والقرب من ظهور الصاحب، هل يجوز له ذلك أم لا يجوز كما قال المنازع في هذه المسألة، حيث قال: إنّه لا يجوز الدعاء عليهم لأنّه يخشى على بيضة الإسلام، فإذا كان كذلك لا ‏يجوز أن تدعو عليهم فلا يجوز لنا أن نمقت زمان ملكهم ولا نمقتهم أيضاً ولا نحبّ زوالهم أو نحبّ زوالهم ولا ندعو عليهم وهم من ابتداء أمرهم إلى نهايته ملوك ظُلم وجور وفسوق، فالراضي ببقاء ملكهم راض بأفعالهم، والراضي بأفعالهم شريكٌ لهم ورادّ لقوله تعالى: لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ؟

🔵 الجواب:

المستفاد من الأخبار وبه صرّح جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) بل الظاهر أنّه لا خلاف فيه هو جواز الدعاء على أعداء الدين بل القنوت عليهم في الصلوات، ففي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تدعو في الوتر على العدوّ وإن شئت سمّيتهم.

وفي رواية عبد الله بن هلال المنقولة في مستطرفات السرائر من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد قنت ودعى على قوم بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم وفعله عليّ (عليه السلام) من بعده.

وروى الكشّي في كتاب الرجال عن إبراهيم بن عُقبة قال: كتبت إلى العسكري (عليه السلام): جُعلت فداك قد عرفت هؤلاء الممطورة فأقنت عليهم في الصلاة؟ قال: نعم، اقنت عليهم.

أقول: الظاهر أنّ المراد بالممطورة هو الواقفة كما ذكره شيخنا البهائي “عطّر الله مرقده” في مقدّمات كتاب مشرق الشمسين من تسمية الواقفة يومئذ بذلك تشبيهاً بالكلاب التي أصابها المطر مبالغة في نجاستهم ووجوب اجتنابهم.

قال شيخنا الشهيد في الذكرى في بحث القنوت: يجوز الدعاء فيه للمؤمنين بأسمائهم والدعاء على الكفرة والمنافقين لأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) دعى في قنوته لقوم بأعيانهم وعلى آخرين بأعيانهم كما روي أنّه قال: اللّهمّ انج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعبّاس بن ربيعة والمستضعفين من المؤمنين، واشدد وطأتك على مُضر ورعل وذكوان.

وقنت أمير المؤمنين (عليه السلام) في صلاة الغداة فدعى على أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص ومعاوية وأبي الأعور وأشباههم.

قاله ابن أبي عقيل، انتهى.

وروى شيخنا المجلسي في البحار من كتاب محمّد بن المثنّى عن جعفر بن محمد بن شريح عن ذريح المحاربي قال:

قال الحرث بن المغيرة الناضري لأبي عبدالله (عليه السلام): إنّ أبا معقل المزني حدّثني عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه صلّى بالناس المغرب فقنت في الركعة الثانية، ولعن معاوية وعمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري وأبا الأعور السلمي، قال الشيخ (رحمه الله): صدق فالعنهم.

ونحو ذلك ما روي عن الكاظم (عليه السلام) في دعائه على موسى المهدي أحد خلفاء بني العبّاس وكان قد بلغه عنه أنّه يهدّده بالقتل، فدعى عليه بدعاء الجوشن الصغير فورد الخبر بموته لعنه الله، والحديث مروي في كتب أصحابنا (رضوان الله عليهم).

ومثله أمره (عليه السلام) جملة من الشيعة بالدعاء على أبي جعفر المنصور الدوانيقي فمات في تلك السنة قبل بلوغه الحجّ عند بئر ميمون قبل أن يقضي نسكه وكان قد سافر إلى مكّة في تلك السنة.

قال أبو ولّاد ناقل الخبر المذكور في آخر الخبر: وكنت تلك السنة حاجّاً فدخلت على أبي الحسن (عليه السلام) فقال: يا أبا ولّاد كيف رأيتم نجاح ما أمرتكم به وحثثتكم عليه من الدعاء على أبي الدوانيق؟.

📌 وممّا يؤيّد ذلك أيضاً الأخبار الدالّة على النهي عن حبّ بقائهم وهي كثيرة:

منها: ما رواه في الكافي عن سهل بن زياد رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزّ و جلّ (وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ).

قال: هو الرجل يأتي السلطان ويحبّ بقاءه إلى أن يدخل يده في كيسه فيعطيه.

ومنه: ما رواه في حديث طويل عن فضيل بن عياض عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ومن أحبّ بقاء الظالمين فقد أحبّ أن يُعصى الله، إنّ الله تبارك و تعالى حمد نفسه عند هلاك الظالمين فقال: (فَقُطِعَ دٰابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ).

وعن صفوان بن مهران الجمّال قال: دخلت على أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) فقال لي: يا صفوان كلّ شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً، قلت: جعلت فداك أي شيء؟ قال: إكراؤك جِمالك هذا الرجل يعني هارون، قلت: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا لصيد ولا للهو، ولكنّي أكريته لهذا الطريق يعني طريق مكّة، ولا أتولّاه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني، فقال لي: يا صفوان أيقع كراك عليهم؟ قلت: نعم جعلت فداك، فقال لي: أتحب بقاءهم حتّى يخرج كراك؟ قلت: نعم، قال: فمن أحبّ بقاءهم فهو منهم ومن كان منهم كان وروده النار، قال صفوان: فذهبت فبعت جمالي عن آخرها فبلغ ذلك إلى هارون فدعاني فقال: يا صفوان بلغني أنّك بعت جمالك؟ قلت: نعم، فقال: لِمَ؟ قلت: أنا شيخ كبير وإنّ الغلمان لا يفون بالأعمال، فقال: هيهات هيهات إنّي لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار عليك بهذا موسى بن جعفر (عليه السلام)، قلت: ما لي ولموسى بن جعفر، فقال: دع هذا عنك فوالله لولا حسن صحبتك لقتلتك.

وممّا يعضد ذلك ما ورد في الدعاء لصاحب الأمر (عليه السلام) أورده الشيخ في المصباح والصدوق في كتاب الغيبة وغيرهما وفيه:

اللّهمَّ عجِّل فرجه وأيّده بالنصر وانصر ناصريه واخذل خاذليه و دمدم على من نصب له وكذَّبَ به وأظهر به الحقّ وأمت به الجور واستنقذ به عبادك المؤمنين من الذلّ وانعش به البلاد واقتل به جبابرة الكفر واقصم رؤوس الضلالة وذلِّل به الجبّارين والكافرين وأبِر به المنافقين والناكثين وجميع المخالفين والملحدين في مشارق الأرض ومغاربها وبرّها وبحرها وسهلها حتّى لا تدع منهم ديّاراً ولا تُبقي لهم آثاراً طهِّر منهم بلادك واشف منهم صدور عبادك وجدّد به ما امحتى من دينك .. الدعاء إلى آخره.

📌 إلّا أنّه قد ورد هنا ما ظاهره المنافاة لما قدّمناه والمناقضة لما ذكرناه، وهو: ما رواه الصدوق عطّر الله مرقده في كتاب المجالس: عن النبيّ (صلى الله عليه و آله) قال: قال الله تعالى: أنا الله لا إله إلّا أنا خلقت الملوك و قلوبهم بيدي فأيما قوم أطاعوني جعلت قلوب الملوك عليهم رحمةً، وأيما قوم عصوني جعلت قلوب الملوك عليهم سخطة ألا لا تشغلوا أنفسكم بسبّ الملوك، توبوا إلى الله أعطف قلوبهم عليكم.

وباسناده عن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: قال لشيعته: يا معشر الشيعة لا تذلّوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم فإن كان عادلًا فاسألوا الله إبقاءه، وإن كان جائراً فاسألوا الله صلاحه، وإنّ صلاحكم في صلاح سلطانكم، فإنّ السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم، فأحبّوا له ما تحبّون لأنفسكم واكرهوا له ما تكرهون لأنفسكم.

📍 والجواب عن هذين الخبرين: أوّلًا: أنّهما لا يقومان بمعارضة ما قدمناه من الأخبار بل هي أرجح منهما سنداً وعدداً ودلالة فلا ينهضان بالمعارضة.

وثانياً: إنّ أقصى ما يدلّ عليه الخبر الأوّل هو تخويف الناس و زجرهم عن المعاصي والأمر بالملازمة على الطاعة له سبحانه، وأنّه جعل من جملة آياته القاهرة وقدرته الباهرة: قلوب الملوك، فمن أطاعه جعل قلوب الملوك له رحمةً وعطفها عليه، ومن عصاه جعلها نقمة له وسخطة عليه، فلا يشغل في حال عصيانه وتسليط الملوك عليه بالسبّ لهم والدعاء عليهم فإنّ ذلك إنّما هو من الله سبحانه سلّطهم عليه عقوبة لمعصيته، بل الواجب عليه الاشتغال بالإنابة والتوبة إليه سبحانه ليعطف قلوب الملوك عليه وهو من قبيل ما يقال: أعمالكم عمّالكم.

وممّا ورد عنهم (عليهم السلام) في الحديث القدسي:

إذا عصاني من يعرفني سلّطت عليه من لا يعرفني.

وهذا شيء آخر غير ما نحن فيه فلا منافاة.

وأمّا الحديث الثاني: فالواجب حمله على التقيّة لمنافاته التامّة لما قدّمناه من الأخبار ولا سيّما الأخبار الدالّة على النهي عن حبّ بقائهم وهي أرجح من هذا الخبر البتة.

وبالجملة فحمله على التقية عندي متعيّن سيّما مع ما علم من التهاب نيران التقية في زمانه (عليه السلام) زيادة على غيره من الأوقات والأعوام.

📍 وأمّا ما ذكره ذلك القائل من أنّه يخشى على بيضة الإسلام فهو غلط، لأنّ الحافظ لبيضة الإسلام إنّما هو الله عزّوجلّ لا هؤلاء وهذا الداعي بزوال ملكهم أو نحوه من الدعاء عليهم إنّما دعى بإبدالهم بمن يقوم بحياطة الإسلام، ويحنو على الأنام، ويقوم بالدين المبين ويُحيي شريعة سيّد المرسلين لا على الإطلاق حتّى يلزم ما ذكره في المقام.

هذا، وأمّا ما ذكرتموه من آية (لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ) فإنّها ليست من محلّ البحث في شيء، فإنّ موردها إنّما هو الإمامة، والآية التي تناسب هذا المقام إنّما هي الآية التي تقدّمت في الأخبار وهي: (وَلٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) إلى آخرها.

هذا ما خطر بالبال بالنظر إلى أخبار الآل عليهم صلوات ذي الجلال، والله العالم.

‏المصدر: (مخطوطة) الأنوار الحيرية والأقمار البدرية الأحمدية

الشيخ ‏يوسف البحراني قدس سره

تواصل معنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *